للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلان وفلان (١)، فذكرت أمرا إن تم اعتزلك كلّه، وإن نقص لم يلحقك ثلمه، وما أنت والفاضل والمفضول، والسائس والمسوس؟ وما للطّلقاء، وأبناء الطلقاء، والتمييز بين المهاجرين الأولين، وترتيب درجاتهم، وتعريف طبقاتهم؟ هيهات لقد حنّ قدح ليس منها (٢)، وطفق يحكم فيها (٣) من عليه الحكم لها! ألا تربع أيها الإنسان على ظلمك، وتعرف قصور ذرعك (٤)، وتتأخّر حيث أخّرك القدر؟ فما عليك غلبة المغلوب، ولا لك ظفر الظافر!

وإنك لذهّاب فى التّيه (٥)، روّاغ عن القصد، ألا ترى- غير مخبر لك، ولكن بنعمة الله أحدّث- أن قوما استشهدوا فى سبيل الله تعالى من المهاجرين والأنصار- ولكلّ فضل- حتّى إذا استشهد شهيدنا، قيل: سيّد الشهداء (٦)، وخصّه رسول الله صلى الله عليه وآله بسبعين تكبيرة عند صلاته عليه (٧)، أولا ترى أن قوما


(١) أى أبو بكر وعمر، وثلمه: أى عيبه، وفى صبح الأعشى ونهاية الأرب «قله» بالضم، وهو القلة، وفيهما أيضا «والسائل والمسئول» محل «والسائس والمسوس» والرواية التى أوردناها (وهى رواية نهج البلاغة) أنسب.
(٢) فى الأمثال «حن قدح ليس منها» حن: صوت، والقدح أحد قداح الميسر، وإذا كان أحد القداح من غير جوهر أخواته ثم أجاله المفيض خرج له صوت يخالف أصواتها، فيعرف به أنه ليس من جملة القداح، يضرب للرجل يفتخر بقبيلة ليس هو منها، أو يتمدح بما لا يوجد فيه، وها فى منها راجعة إلى القداح، وقد تمثل به عمر بن الخطاب رضى الله عنه حين قال له الوليد بن عقبة بن أبى معيط: أقتل من بين قريش؟ فقال عمر: حن قدح ليس منها (وقد ذكر جماعة من النسابين أن جد أبيه ذكوان بن أمية بن عبد شمس كان مولى لأمية، وكان يلقب بالصفورى نسبة إلى صفورية بلد بالأردن، فتبناه أمية، فبنوه موال وليسوا من بنى أمية لصلبه- انظر شرح ابن أبى الحديد (م ١ ص: ١٥٤).
(٣) أى فى الطبقات.
(٤) ذرع الإنسان طاقته التى يبلغها.
(٥) النيه: الضلال والكبر، وراغ عنه مال وحاد، والقصد: استقامة الطريق.
(٦) هو حمزة بن عبد المطلب، قتل يوم أحد كما قدمنا وسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد الشهداء، وأشهد مجهولا واستشهد كذلك: قتل فى سبيل الله.
(٧) روى أنه كان عليه السلام كلما أبى بشهيد وضع إلى جنب حمزة فصلى عليه وعلى الشهيد حتى صلى عليه سبعين مرة، لأن الشهداء فى أحد سبعون (ابن أبى الحديد م ٣: ص ٣٩٥) وجاء فى ترجمته فى أسد الغابة ج ٢: ص ٤٩: «عن أنس بن مالك قال: كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا كبر على جنازة كبر عليها أربعا، وأنه كبر على حمزة سبعين تكبيرة، وعن ابن عباس قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمزة فكبر عليه سبع تكبيرات. ثم لم يؤت بفتيل إلا صلى عليه معه حتى صلى عليه ثنتين وسبعين صلاة» - انظر قول ابن عباس أيضا فى سيرة ابن هشام ج ٢ ص ٨٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>