للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قطعت أبديهم فى سبيل الله- ولكلّ فضل- حتى إذا فعل بواحدنا (١) ما فعل بواحدهم، قيل الطّيّار فى الجنة وذو الجناحين، ولولا ما نهى الله عنه من تزكية المرء نفسه، لذكر ذاكر (٢) فضائل جمّة، تعرفها قلوب المؤمنين، ولا تمجّها آذان السامعين.

فدع عنك من مالت به الرّميّة (٣)، فإنا صنائع ربنا (٤)، والناس بعد صنائع لنا، لم يمنعنا قديم عزّنا، ولا عادىّ طولنا (٥) على قومك، أن خلطناكم بأنفسنا، فنكحنا وأنكحنا، فعل الأكفاء، ولستم هناك، وأنّى يكون ذلك كذلك (٦)؛


(١) يعنى جعفر بن أبى طالب قتل فى غزوة مؤتة كما تقدم، وقد قطعت يداه، أخذ اللواء بيمينه فقطعت، فأخذه بشماله فقطعت، فاحتضنه بعضديه حتى قتل واللواء معه لم يلقه، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد أبدله الله بهما جناحين يطير بهما فى الجنة، ولذا سمى الطيار (ابن أبى الحديد م ٣:
ص ٤٠٥ وأسد الغابة ١: ٢٨٨ وسيرة ابن هشام ٢: ٢٥٣).
(٢) يعنى نفسه.
(٣) الرمية: الطريدة التى يرميها الصائد، وهى فعيلة بمعنى مفعولة، وأنثت لأنها جعلت اسما لا نعتا والمراد بها الدنيا، والمعنى: دع من مال إلى الدنيا ومالت به أى أمالته إليها: أى لا تستمع لهؤلاء الذين يغرونك بالمضى فيما تطمح إليه من الخلافة طلبا للدنيا وطمعا فيها، يعرض بعمرو بن العاص فقد مالأ معاوية وشايعه على أن يجعل له مصر طعمة كما قدمنا، وفى نهاية الأرب «الدنية» وهى الأمر الخسيس.
(٤) أى اصطفانا الله واختصنا بفضله، وجعل النبوة فى بيتنا، ومنه فاضت الهداية على الورى، أى فنحن أحق بالخلافة.
(٥) الطول: الفضل، وعادى: أى قديم، نسبة إلى عاد إحدى قبائل العرب البائدة. فنكحنا وأنكحنا: أى تزوجنا منكم وزوجناكم منا، قال ابن أبى الحديد: «وينبغى أن يحمل قوله «قديم» و «عادى» على مجازه لا على حقيقته لأن بنى هاشم وبنى أمية لم يفترقا فى الشرف إلا مذ نشأ هاشم بن عبد مناف، وعرف بأفعاله ومكارمه، ونشأ حينئذ أخوه عبد شمس، وعرف بمثل ذلك، وصار لهذا بنون، ولهذا بنون، وادعى كل من الفريقين أنه أشرف بالفعال من الآخر، ثم لم تكن المدة بين نشء هاشم وإظهار محمد صلى الله عليه وآله الدعوة إلا نحو تسعين سنة، ومثل هذه المدة القصبرة لا يقال فيها «قديم عزنا، وعادى طولنا» فيجب أن يحمل اللفظ على مجازه، لأن الأفعال الجميلة كما تكون عادية بطول المدة تكون بكثرة المناقب والمآثر والمفاخر وإن كانت المدة قصيرة، ولفظة قديم ترد ولا يراد بها قدم الزمان، بل من قولهم لفلان قدم صدق وقديم أثر أى سابقة حسنة اه» وفسره الأستاذ الشيخ محمد عبده فقال. «العادى:
الاعتيادى المعروف» والأول هو الصحيح بقرينة قوله قبل «قديم عزنا» وقال أيضا «قديم مفعول يمنع، وأن خلطناكم فاعله» والصحيح العكس، وفى رواية صبح الأعشى «ومديد طولنا».
(٦) أى وكيف يكون شرفكم كشرفنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>