للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما سكنت، وأكلوها بأفضل ما أكلت، فحظوا من الدنيا بما حظى به المترفون، وأخذوا منها ما أخذ الجبابرة المتكبّرون، ثم انقلبوا عنها بالزاد المبلّغ، والمتجر الرّابح، أصابوا لذة زهد الدنيا فى دنياهم، وتيقّنوا أنهم جيران الله غدا فى آخرتهم، لا تردّ لهم دعوة، ولا ينقص لهم نصيب من لذّة، فاحذروا عباد الله الموت وقربه، وأعدّوا له عدّته، فإنه يأتى بأمر عظيم، وخطب جليل: بخير لا يكون معه شرّ أبدا، أو شرّ لا يكون معه خير أبدا، فمن أقرب إلى الجنة من عاملها (١)؟ ومن أقرب إلى النار من عاملها؟ وأنتم طرداء (٢) الموت، إن أقمتم له أخذكم، وإن فررتم منه أدرككم، وهو ألزم لكم من ظلّكم، الموت معقود بنواصيكم، والدنيا تطوى من خلفكم، فاحذروا نارا قعرها بعيد، وحرّها شديد، وعذابها جديد، دار ليس فيها رحمة، ولا تسمع فيها دعوة، ولا تفرّج فيها كربة، وإن استطعتم أن يشتدّ خوفكم من الله، وأن يحسن ظنكم به، فاجمعوا بينهما، فإن العبد إنما يكون حسن ظنه بربّه، على قدر خوفه من ربه، وإن أحسن الناس ظنا بالله أشدّهم خوفا لله.

واعلم يا محمد بن أبى بكر أنّى قد ولّيتك أعظم أجنادى فى نفسى: أهل مصر، فأنت محقوق أن تخالف على نفسك، وأن تنافح (٣) عن دينك، ولو لم يكن لك إلا ساعة من الدهر، ولا تسخط الله برضا أحد من خلقه، فإن فى الله خلفا من غيره، وليس من الله خلف فى غيره.

صلّ الصلاة لوقتها الموقّت لها، ولا تعجّل وقتها لفراغ، ولا تؤخّرها عن وقتها لاشتغال، واعلم أن كل شئ من عملك تبع لصلاتك.

ومنه: فإنه لا سواء إمام الهدى، وإمام الرّدى (٤)، وولىّ النبى، وعدوّ النبى،


(١) أى من العامل لها.
(٢) طرداء: جمع طريد، أى يطرد كم عن أوطانكم ويخرجكم منها.
(٣) أى حقيق وجدير وخليق، ونافحه: كافحه ودافعه.
(٤) يعنى بإمام الهدى نفسه، وبإمام الردى معاوية كما سيرد عليك بعد.

<<  <  ج: ص:  >  >>