للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واعلموا عباد الله أن الموت ليس منه فوت، فاحذروه وأعدّوا له عدّته، فإنكم طرداء الموت، إن أقمتم أخذكم، وإن هربتم أدرككم، وهو ألزم لكم من ظلّكم، معقود بنواصيكم، والدنيا تطوى من خلفكم، فأكثروا ذكر الموت عند ما تنازعكم إليه أنفسكم من الشّهوات، فإنه كفى بالموت واعظا، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: «أكثروا ذكر الموت فإنه هادم اللّذات»، واعلموا عباد الله أن ما بعد الموت أشدّ من الموت لمن لم يغفر الله له ويرحمه، واحذروا القبر وضمّته، وضيقه وظلمته، فإنه الذى يتكلم كل يوم يقول: «أنا بيت التراب، وأنا بيت الغربة، وأنا بيت الدّود» والقبر روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النّار، وأن المسلم إذا مات قالت له الأرض: مرحبا وأهلا، قد كنت ممن أحبّ أن تمشى على ظهرى، فإذا وليتك فستعلم كيف صنعى بك، فتتّسع له مدّ بصره (١)، وإذا دفن الكافر. قالت له الأرض: لا مرحبا ولا أهلا، قد كنت ممن أبغض أن تمشى على ظهرى، فإذا وليتك فستعلم كيف صنعى بك، فتنضمّ عليه حتى تلتقى أضلاعه، واعلموا أن المعيشة الضّنك التى قال سبحانه: «فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً (٢)» هى عذاب القبر، وأنه يسلّط على الكافر فى قبره حيّات عظام تنهش لحمه حتى يبعث، لو أن تنّينا (٣) منها نفخ الأرض ما أنبت الزرع أبدا.

واعلموا عباد الله أن أنفسكم وأجسادكم الرقيقة الناعمة التى يكفيها اليسير من العقاب ضعيفة عن هذا، فإن استطعتم أن ترحموا أنفسكم وأجسادكم مما لا طاقة لكم به، ولا صبر لكم عليه، فتعملوا بما أحبّ الله سبحانه، وتتركوا ما كره فافعلوا، ولا حول ولا قوّة إلا بالله.

واعلموا عباد الله أن ما بعد القبر أشدّ من القبر، يوم يشيب فيه الصغير، ويسكر


(١) أى قدر مد بصره.
(٢) الضنك: الضيق فى كل شئ، للذكر والأنثى.
(٣) أى حية عظيمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>