للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلما احتضر بعث إلى عمر، فولّاه، فسمعنا وأطعنا، وبايعنا، وناصحنا، وتولّى عمر الأمر، فكان مرضىّ السّيرة، ميمون النّقيبة (١) أيام حياته، حتى إذا احتضر قلت فى نفسى: لن يعد لها عنى، ليس يدافعنى عنها، فجعلها عمر شورى، وجعلنى سادس ستّة، فلما كانوا لو لاية أحد منهم أشدّ كراهة لو لايتى عليهم، لأنهم كانوا يسمعوننى عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أحاجّ أبا بكر فأقول: يا معشر قريش، إنا أهل البيت أحقّ بهذا الأمر منكم، ما كان فينا من يقرأ القرآن، ويعرف السّنّة، وبدين بدين الحق، فخشى القوم إن أنا وليت عليهم أن لا يكون لهم فى هذا الأمر نصيب ما بقوا، فأجمعوا إجماعا واحدا، فصرفوا الولاية عنى إلى عثمان، وأخرجونى منها، رجاء أن ينالوها ويتداولوها، إذ يئسوا أن ينالوها من قبلى، ثم قالوا لى: هلمّ فبايع عثمان وإلّا جاهدناك، فبايعت مستكرها (٢)، وصبرت محتسبا، فقال قائلهم: إنك يا بن أبى طالب على هذا الأمر لحريص، فقلت لهم: أنتم أحرص منى وأبعد، أينا أحرص، أنا الذى طلبت ميراث ابن أبى وحقى الذى جعلنى الله ورسوله أولى به، أم أنتم إذ تضربون وجهى دونه، وتحولون بينى وبينه؟ فبهتوا، والله لا يهدى القوم الظالمين، اللهم إنى أستعديك (٣) على قريش، فإنهم قطعوا رحمى، وأضاعونى، وصغّروا عظيم منزلتى وفضلى، واجتمعوا على منازعتى حقّا كنت أولى به منهم فسلبونيه، ثم قالوا: ألا إن فى الحق أن تأخذه، وفى الحق أن تمنعه، فاصبر كمدا، أو مت أسفا حنيقا (٤)، فنظرت فإذا ليس معى رافد (٥)، ولا ذابّ، ولا ناصر، ولا مساعد إلا أهل بيتى، فضننت بهم عن المنيّة، فأغضيت عينى على


(١) النقيبة: النفس والطبيعة.
(٢) يقال: امرأة مستكرهة بكسر الراء: أى غصبت نفسها (بالبناء للمجهول) فأكرهت على ذلك
(٣) استعداه: استعانه واستنصره.
(٤) الحنق بالتحريك: شدة الاغتياظ، حنق عليه كفرح فهو حنق كفرح وحنيق، وفى ابن أبى الحديد «حميقا» وهو تحريف.
(٥) الرافد: الواصل، من الرفد بالكسر وهو الصلة، والذاب: الدافع.

<<  <  ج: ص:  >  >>