للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القذى (١)، وتجرّعت ربقى على الشّجى، وصبرت من كظم الغيظ على أمرّ من العلقم طعما، وآلم للقلب من حزّ الشّفار (٢)، حتى إذا نقمتم على عثمان أتيتموه فقتلتموه، ثم جئتمونى لتبايعونى فأبيت عليكم وأبيتم علىّ، وأمسكت يدى فنازعتمونى ودافعتمونى وبسطتم يدى فكففتها، ومددتموها فقبضتها، وازدحمتم علىّ حتى ظننت أن بعضكم قاتل بعض، أو أنكم قاتلىّ، فقلتم: بايعنا، لا نجد غيرك ولا رضى إلا بك، بايعنا لا نفترق ولا تختلف كلمتنا، فبايعتكم، ودعوتم الناس إلى بيعتى، فمن بايع طوعا قبلته، ومن أبى لم أكرهه وتركته، فأول من بايعنى طلحة والزبير، ولو أبيا ما أكرهتهما كما لم أكره غيرهما، فما لبثا إلا يسيرا حتى بلغنى أنهما قد خرجا من مكة متوجّهين إلى البصرة، فى جيش ما منهم رجل إلا وقد أعطانى الطاعة، وسمح لى بالبيعة، فقدما على عاملى وخزّان بيت مالى، وعلى أهل مصرى الذين كلهم على بيعتى وفى طاعتى، فشتّتوا كلمتهم، وأفسدوا علىّ جماعتهم، ثم وثبوا على شيعتى، فقتلوا طائفة منهم غدرا، وطائفة صبرا (٣)، ومنهم طائفة غضبوا لله ولى، فشهروا سيوفهم وضربوا بها، حتى لقوا الله عز وجل صابرين محتسبين، فو الله لو لم يصيبوا منهم إلا رجلا واحدا متعمدين لقتله، لحلّ لى بذلك قتل الجيش بأسره، فدع ما أنّهم قد قتلوا من المسلمين أكثر من العدّة التى دخلوا بها عليهم، وقد أدال (٤) الله منهم، فبعدا للقوم الظالمين.

ثم إنى نظرت فى أمر أهل الشأم، فإذا هم أعراب وأحزاب، وأهل طمع جفاة طغاة (٥)، تجمعوا من كل أوب، ممن ينبغى أن يؤدّب، وأن يولّى عليه، ويؤخذ على


(١) القذى: ما يقع فى العين وفى الشراب، والشجى: ما اعترض فى الحلق من عظم ونحوه:
(٢) الشفار: جمع شفرة بالفتح، وهى السكين العظيم.
(٣) صبر الإنسان على القتل: أن يحبس ويرمى حتى تموت.
(٤) أى نصرنا عليهم.
(٥) وفى الإمامة والسياسة: «طغام» والطغام كسحاب: أوغاد الناس، والأوب: الطريق والجهة.

<<  <  ج: ص:  >  >>