للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يديه، ليسوا من الأنصار، ولا المهاجرين، ولا التابعين بإحسان، فسرت إليهم فدعوتهم إلى الطاعة والجماعة، فأبوا إلا شقاقا ونفاقا، ونهضوا فى وجوه المهاجرين والأنصار، ينضحونهم (١) بالنّبل، ويشجرونهم بالرماح، فهنالك نهدت (٢) إليهم فقاتلتهم، فلما عضّهم السلاح، ووجدوا ألم الجراح، رفعوا المصاحف يدعونكم إلى ما فيها، فنبأتكم أنهم ليسوا بأهل دين ولا قرآن، وإنما رفعوها مكيدة وخديعة، ووهنا وضعفا، فامضوا على حقكم وقتالكم، فأبيتم علىّ واتهمتمونى، وقلتم: اقبل منهم، فإنهم إن أجابوا إلى ما فى الكتاب جامعونا على ما نحن عليه من الحق، وإن أبوا كان أعظم لحجّتنا عليهم، فقبلت منهم، وكففت عنهم إذ ونيتم وأبيتم، فكان الصلح بينكم وبينهم على رجلين حكمين يحييان ما أحيا القرآن، ويميتان ما أمات القرآن، فاختلف رأيهما، وتفرّق حكمهما، ونبذا حكم القرآن، وخالفا ما فى الكتاب، واتّبعا هواهما بغير هدى من الله فجنّبهما الله السّداد، وأهوى بهما فى غمرة الضلال (٣)، وكانا أهل ذلك، فانخذلت عنا فرقة منا، فتركناهم ما تركونا، حتى إذا عاثوا فى الأرض مفسدين، وقتلوا المؤمنين، أتيناهم فقلنا لهم: ادفعوا إلينا قتلة إخواننا، ثم كتاب الله بيننا وبينكم، فقالوا: كلنا قتلهم، وكلنا استحللنا دماءهم ودماءكم، وشدّت علينا خيلهم ورجالهم، فصرعهم الله مصارع القوم الظالمين.

فلما كان ذلك من شأنهم، أمرتكم أن تمضوا من فوركم ذلك إلى عدوكم، فإنه أفزع لقلوبهم، وأنهك لقواهم، وأهتك لكيدهم، فقلتم: كلّت أذرعنا وسيوفنا، ونفدت نبالنا، ونصلت (٤) أسنّة رماحنا، وعاد أكثرها قصدا، فأذن لنا فلنرجع


(١) نضحه بالنبل كنفع: رماه ورشقه، وشجره بالرمح كقتل: طعنه به.
(٢) نهد إلى العدو كنفع وقتل: نهض.
(٣) وفى ابن أبى الحديد «ودلاهما فى الضلالة»، وفيه: «حتى إذا عثوا فى الأرض يقتلون ويفسدون» وعاث وعثا: أفسد.
(٤) نصل السهم: فهو ناصل خرج منه النصل (والنصل: حديدة السهم والرمح) ورمح قصد ككتف وقصيد وأقصاد: متكسر.

<<  <  ج: ص:  >  >>