للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى مصرنا حتى نستعد بأحسن عدّتنا، وإذا رجعت زدت فى مقاتلتنا عدّة من هلك منا ومن قد فارقنا. فإن ذلك أقوى لنا على عدونا، فأقبلت بكم حتى إذا أطللتم على الكوفة، أمرتكم أن تنزلوا بالنّخيلة، وأن تلزموا معسكركم، وأن تضمّوا قواصيكم، وأن توطّنوا على الجهاد أنفسكم، ولا تكثروا زيارة أبنائكم ونسائكم، فإن ذلك يرقّ قلوبكم ويلويكم، وإن أهل الحرب المصابروها، وأهل التشمير فيها الذين لا يتوجّدون (١) سهر ليلهم، ولا يتوجّعون، ولا يسأمون من ظمإ نهارهم، ولا من خمص (٢) بطونهم، ولا من نصب أبدانهم، حتى يدركوا ثأرهم، وينالوا بغيتهم ومطلبهم، فنزلت طائفة منكم معى معذرة، ودخلت طائفة منكم المصر عاصية، فلا من نزل معى صبر فثبت، ولا من دخل المصر عاد إلىّ ورجع.

ولقد نظرت إلى عسكرى، وما فيه معى منكم إلا خمسون رجلا، فلما رأيت ما أتيتم دخلت إليكم فما قدرتم أن تخرجوا معى إلى يومكم هذا لله آباؤكم! فما تنتظرون؟ أما ترون إلى أطرافكم قد انتقصت، وإلى مصركم قد افتتحت (٣) وإلى شيعتى بها قد قتلت، وإلى مسالحكم (٤) تعرى، وإلى بلادكم تغزى، وأنتم ذوو عدد كثير، وشركة، وبأس شديد، فما بالكم؟ لله أنتم! من أين تؤتون؟ وما لكم تؤفكون (٥) وأنّى تسحرون، ولو أنكم عزمتم وأجمعتم لم تراموا، ألا إن القوم قد اجتمعوا، وجدّوا وتناصحوا، وإنكم قد ونيتم وتفرقتم، واختلفتم، وتغاششتم، فأنتم إن اجتمعتم تسعدون.


(١) توجد سهر ليلة: شكا ما مسه من مشقته.
(٢) الخمص بالسكون وبالتحريك والمخمصة: الجوع.
(٣) المصر: كل كورة يقسم فيها الفئ والصدقات، وهذه يجوز فيها التذكير فتصرف. والتأنيث فتمنع، وروى فى الإمامة والسياسة «قد افتتح» بالتذكير، وفى ابن أبى الحديد بالتأنيث.
(٤) المسالح جمع مسلحة بالفتح: وهى الثغر.
(٥) أفكه كضربه: صرفه عن الشئ وقلب رأيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>