للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأيقظوا رحمكم الله نائمكم، وأجمعوا على حقكم، وتجرّدوا لحرب عدوكم، قد أبدت الرّغوة عن الصّريح (١)، وبان الصّبح لذى عينين، إنما تقاتلون الطّلقاء، وأبناء الطلقاء، وأولى الجفاء، ومن أسلم كرها، وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنف (٢) الإسلام كلّه حربا، أعداء الله والسنة والقرآن، وأهل الأحزاب، والبدع، والأحداث، ومن كانت بوائقه (٣) تتّقى، وكان على الإسلام مخوفا (٤)، أكلة الرّشا وعبدة الدنيا، لقد أنهى (٥) إلىّ أن ابن النابغة لم يبايع معاوية حتى أعطاه، وشرط عليه أن يعطيه إتاوة هى أعظم مما فى يديه من سلطانه، ألا صفرت (٦) يد هذا البائع دينه بالدنيا، وتربت يد هذا المشترى نصرة غادر فاسق بأموال المسلمين، وإن منهم لمن قد شرب فيكم الخمر، وجلد حدّا فى الإسلام، يعرف بالفساد فى الدين والفعل السيئ، وإن فيهم من لم يسلم حتى رضخ له على الإسلام رضيخة (٧)، فهؤلاء قادة القوم،


(١) رغوة اللبن مثلثة: زبده (بالتحريك)، والصريح: اللبن الخالص الذى ذهبت رغوته، وأبداه:
أظهره، وهو هنا بمعنى كشف عنه: أى كشفت الرغوة عن الصريح وأظهرته. وهو مثل يضرب عند انكشاف الأمر وظهوره، وقد رواه الميدانى فى مجمع الأمثال «أبدى الصريح عن الرغوة» وقال فى شرحه: «أبدى لازم ومتعد، يقال: أبديت فى منطقك أى جرت، فعلى هذا يكون المعنى بدا الصريح عن الرغوة، وإن جعلته متعديا فالمفعول محذوف أى أبدى الصريح نفسه. وأقول نعم قد ورد أبدى لازما بمعنى جار كما ذكر، لكن ذلك المعنى ليس مما نحن فيه، ثم قال: «وهذا المثل لعبيد الله بن زياد قاله الهانئ بن عروة المرادى، وكان مسلم بن عقيل بن أبى طالب رحمه الله قد استخفى عنده أيام بعثه الحسين ابن على رضوان الله عليهما، فلما عرف مكانه عبيد الله أرسل إلى هانئ فسأله فكتمه فتوعده وخوفه، فقال هانئ: هو عندى، فعندها قال عبيد الله: «أبدى الصريح عن الرغوة» أى وضح الأمر وبان، ومن كتاب الإمام الذى نحن بصدد شرحه تعرف أن عبيد الله قد تمثل بهذا المثل وليس بصاحبه، ومن أمثالهم فى هذا المعنى أيضا «صرح المخض عن الزبد» بضم الزاى أى انكشف الأمر وتبين.
(٢) أنف كل شئ: أوله.
(٣) البوائق جمع بائقة: وهى الداهية، والرشا بالضم والكسر جمع رشوة مثلثة وهى الجعل بالضم
(٤) وفى الإمامة والسياسة «وكان عن الدين منحرفا».
(٥) أنهى الشئ: أبلغه، وفى الإمامة والسياسة «لقد نمى إلى» أى أبلغت أيضا، وابن النابغة هو عمرو بن العاص وقد تقدم.
(٦) صفر كفرح: خلا، ويقال: تربت يداه، أى لا أصاب خيرا، وفى ابن أبى الحديد «وخزيت أمانة هذا المشترى ... ».
(٧) انظر ص ٤٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>