للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما كتب محمد النبى رسول الله لأهل نجران، إذ كان له عليهم حكمه فى كل ثمرة وفى كلّ صفراء وبيضاء وسوداء ورقيق (١)، فأفضل (٢) ذلك عليهم، وترك ذلك كلّه لهم، على ألفى حلّة من حلل الأواقى، فى كل رجب ألف حلّة، وفى كل صفر ألف حلّة، كل حلّة أوقيّة (٣) من الفضة، فما زادت


- فما زالوا يحاجونه فى عيسى ويلاحونه، حتى أنزل الله: «فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ». فقال لهم: إن الله أمرنى إن لم تقبلوا الحجة أن أباهلكم، فقالوا: يا أبا القاسم! بل نرجع فننظر فى أمرنا ثم نأتيك. فلما رجعوا، قالوا للعاقب- وكان ذا رأيهم- يا عبد المسيح ما ترى؟ فقال: والله لقد عرفتم يا معشر النصارى أن محمدا نبى مرسل، ولقد جاءكم بالكلام الحق فى أمر صاحبكم، والله ما باهل قوم نبيا قط فعاش كبيرهم ولا نبت صغيرهم، ولئن فعلتم لكان الاستئصال، فإن أبيتم إلا الإصرار على دينكم والإقامة على ما أنتم عليه، فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم. وكان صلى الله عليه وسلم خرج وعليه مرط من شعر أسود (المرط بالكسر: كساء من صوف أو خز) وقد احتضن الحسين، وأخذ بيد الحسن، وفاطمة تمشى خلفه، وعلى رضى الله عنه خلفها، وهو يقول «إذا دعوت فأمنوا». (وروى أنه عليه الصلاة والسلام لما خرج فى المرط، جاء الحسن فأدخله، ثم جاء الحسين فأدخله، ثم فاطمة، ثم على رضى الله عنهم، ثم قال «إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً» فمن ذلك الوقت سمى الخمسة أصحاب الكساء) فقال أسقف نجران: «يا معشر النصارى! إنى لأرى وجوها لو سألوا الله أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله لها، فلا تباهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصرانى إلى يوم القيامة» ثم قالوا: «يا أبا القاسم! رأينا أن لا نباهلك» فقال عليه الصلاة والسلام «فإذا أبيتم المباهلة فأسلموا، يكن لكم ما للمسلمين وعليكم ما على المسلمين» فأبوا. فقال «فإنى أناجزكم القتال». فقالوا «ما لنا بحرب العرب طاقة، ولكن نصالحك على أن لا تغزونا ولا تردنا عن ديننا، على أن نؤدى إليك فى كل عام ألفى حلة، ألفا فى صفر، وألفا فى رجب، ثمن كل حلة أرقية من الفضة» فصالحهم على ذلك وقال «والذى نفسى بيده، إن الهلاك قد تدلى على أهل نجران، ولولا عنوا لمسخوا قردة وخنازير، ولا ضطرم عليهم الوادى نارا، ولا ستأصل الله نجران وأهله، حتى الطير على رءوس الشجر، ولما حال الحول على النصارى كلهم حتى يهلكوا» (انظر كتاب ثمار القلوب فى المضاف والمنسوب للثعالبى ص ٤٨٣ وتفسير الفخر الرازى مفاتيح الغيب ٢: ٦٩٩ وغيره من كتب التفسير والسيرة الحلبية ٢: ٣٢٤).
(١) الصفراء: الذهب. البيضاء: الفضة. سوداء ورقيق: أى جارية وعبد.
(٢) أى أبقاه لهم.
(٣) أى ثمن كل حلة أوقية. والأوقية: زنة سبعة مثاقيل، وزنة أربعين درهما، والجمع الأواقى بالتشديد والتخفيف. وفى كتاب الخراج: «مع كل حلة أوقية من الفضة». وكلمة «مع» محرفة عن «ثمن» أو «قيمة».

<<  <  ج: ص:  >  >>