للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: ذلك إليك. لا أخرج عن رأيك، ثم أتيت الحجاج، فلما رآنى رحّب بى وقال: والله لقد كنت أحبّ أن أراك فى بلدى هذا، قلت: وأنا والله قد كنت أحبّ أن أراك، وأقدم عليك بغير الذى أرسلت به إليك، قال: وما ذاك؟ قلت:

فارقت الخليفة وهو أغضب الناس عليك، قال: ولم؟ قال: فدفعت إليه الكتاب، فجعل يقرؤه وجبينه يعرق، فيمسحه بيمينه، ثم قال: اركب بنا إلى أنس بن مالك، قلت له: لا تفعل، فإنى سأتلطّف به حتى يكون هو الذى يأتيك- وذلك للّذى أشرت عليه من مصالحته- قال: فألقى كتاب أمير المؤمنين، فإذا فيه:

*** «بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله عبد الملك بن مروان إلى الحجاج بن يوسف، أما بعد: فإنك عبد طمت (١) بك الأمور فطغيت، وعلوت فيها حتى جزت قدرك، وعدوت طورك (٢)، وايم الله يا بن المستفرمة (٣) بعجم زبيب الطائف، لأغمزنّك كبعض غمزات اللّيوث الثّعالب، ولأركضنّك ركضة تدخل منها فى وجارك (٤)، اذكر مكاسب آبائك بالطائف، إذ كانوا ينقلون الحجارة على أكتافهم، ويحفرون الآبار والمناهل (٥) بأيديهم، فقد نسيت ما كنت عليه أنت وآباؤك من الدناءة واللؤم والضّراعة (٦)، وقد بلغ أمير المؤمنين استطالة منك على أنس ابن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، جرأة منك على أمير المؤمنين، وغرّة


(١) ورواية صبح الأعشى «علت» وهى بمعناها، من طمى الماء إذا علا، والنبت إذا طال: أى ارتقى منصبك فى الدولة فطغيت، وفى غرر الخصائص «طفت» أى علت أيضا.
(٢) أى وجاوزت حدك.
(٣) انظر هامش ص ١٨٣.
(٤) الوجار فى الأصل: جحر الضبع وغيرها، وفى صبح الأعشى «فى وجعاء أمك» والوجعاء كحمراء: الدبر.
(٥) المناهل: جمع منهل كمقعد وهو المشرب، وفى صبح الأعشى «والمناهر» جمع منهر كمقعد أيضا وهو موضع النهر.
(٦) الذل.

<<  <  ج: ص:  >  >>