للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بمعرفة غيره ونقماته وسطواته على من خالف سبيله، وعمد إلى غير محجّته (١)، ونزل عند سخطته.

وأظنّك أردت أن تروزه (٢) بها؛ لتعلم ما عنده من التغيير والنكير فيها، فإن سوّغتها (٣) مضيت قدما، وإن غصصت بها ولّيت دبرا، فعليك لعنة الله من عبد أخفش (٤) العينين، أصكّ الرّجلين، ممسوح الجاعرتين، وايم الله لو أن أمير المؤمنين علم أنك اجترمت منه جرما، وانتهكت له عرضا فيما كتب به إلى أمير المؤمنين، لبعث إليك من يسحبك ظهرا لبطن، حتى ينتهى بك إلى أنس بن مالك، فيحكم فيك بما أحبّ، ولن يخفى على أمير المؤمنين نبؤك (٥)، ولكلّ نبإ مستقرّ وسوف تعلمون».

قال إسماعيل: فانطلقت إلى أنس فلم أزل به حتى انطلق معى إلى الحجاج، فلما دخلنا عليه قال: يغفر الله لك أبا حمزة، عجلت باللّائمة، وأغضبت علينا أمير المؤمنين! ثم أخذ بيده، فأجلسه معه على السرير، فقال أنس: إنك كنت تزعم أنّا الأشرار! والله سمّانا الأنصار، وقلت: إنّا من أبخل الناس! والله يقول فينا: «وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ (٦)» وزعمت أنّا أهل نفاق! والله تعالى يقول فينا: «وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ، وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا». فكان المخرج والمشتكى فى ذلك


(١) المحجة: جادة الطريق، وفى العقد الفريد «محبته».
(٢) رازه روزا: جربه، وفى غرر الخصائص: «وركبت داهية دهماء أردت أن تروزنى بها، فإن سوغتكها مضيت قدما، وإن لم أفعل رجعت القهقرى».
(٣) يقال: سوغه ما أصاب: أى تركه له خالصا، والمعنى: فإن أقرك على ما قد فعلت.
(٤) وصف من الخفش بالتحريك: وهو ضيق فى العين وضعف فى البصر خلقة، والأصك: وصف من من الصكك بالتحريك: وهو أن تضرب إحدى الركبتين الأخرى عند العدو فتؤثر فيها أثرا، ومصك أيضا كمقص، والجاعرتان: لحمتان تكتنفان أصل الذنب، وهما من الإنسان فى موضع رقمتى لحمار (ويقال للنكتتين السوداوين على عجز الحمار: الرقمتان).
(٥) وفى غرر الخصائص: فإذا أتاك كتابى هذا فكن لأنس أطوع من عبد لسيده، وإلا أصابك منى سهم مثكل، ولكل نبأ ... الخ».
(٦) الخصاصة: الحاجة والفقر.

<<  <  ج: ص:  >  >>