للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأنا لعمر الله فى دار الجزاء، وعدم السلطان واشتغال النفس، والركون إلى الذّلة من نفسى، والتوقع لما طويت عليه الصّحف، أعجز، وقد كنت أشركتك فيما طوّقنى الله حمله، ولاث بحقوى (١) من أمانة الله فى هذا الخلق المرعىّ، فدللت منه على الحزم والجدّ فى إماتة بدعة، وإنعاش سنّة، فقعدت عن تلك، ونهضت بما عاندها (٢)، حتى صرت حجّة الغائب، وعذر اللّاعن والشاهد القائم.

فلعن الله أبا عقيل (٣) وما نجل، فألأم والد، وأخبث نسل، فلعمرى، ما ظلمكم الزمان، ولا قعدت بكم المراتب، لقد ألبستكم ملبسكم، وأقعدتكم على روابى خططكم (٤)، وأحلّتكم على منعتكم، فمن حافر وناقل وماتح (٥) للفلوات القفرة المتفيهقة (٦)، ما تقدّم فيكم الإسلام، ولقد تأخرتم (٧)، وما الطائف منا ببعيد يجهل أهله، ثم قمت بنفسك، وطمحت بهمّتك، وسرّك انتضاء (٨) سيفك،


(١) الحقو بالفتح ويكسر: الكشح ومعقد الإزار، ولاث بحقوى: أى لف وعصب، لاث الشىء لوثا: أداره مرتين كما تدار العمامة والإزار، قال النابغة:
تلوث بعد افتضال البرد مثزرها ... لونا على مثل دعص الوملة الهارى
(٢) خالفها وجانبها،
(٣) هو جد الحجاج، ذكر ابن خلكان فى وفيات الأعيان- ج ١:
ص ١٢٣ - فى نسبه أنه الحجاج بن يوسف بن الحكم بن عقيل بن مسعود بن عامر ... - انظر أيضا سرح العيون ص ١١٢ - . ونجله: ولده.
(٤) الخطط جمع خطة بالكسر: وهى الأرق التى تنزلها ولم ينزلها نازل قبك.
(٥) متح الماء: نزعه.
(٦) هكذا فى الأصل، يريد المتسعة، وتفيهق فى الكلام: توسع فيه، مأخوذ من الفهق وهو الامتلاء، كأنه ملأ به فمه، وأرى أن صوابه «المنفهقة» من انفهق الشىء إذا اتسع، ويقال أيضا مفازة فيهق أى واسعة، والفيهق: الواسع من كل شىء.
(٧) كانت ثقيف من الفبائل التى تأخرت فى إجابة دعوة الإسلام، وكانت ممن آذى النبى عليه الصلاة والسلام أبلغ الإيذاء. وذلك أنه لما مات أبو طالب نالت قريش من رسول الله ما لم يمكنها نيله فى حياته، فخرج عليه الصلاة والسلام إلى ثقيف بالطائف يرجو منهم أن يسلموا ويناصروه على قومه، لأنهم أقرب الناس إلى مكة وله فيهم خؤولة، وكلهم رؤساءهم وساداتهم فيما جاءهم به، فردوا عليه ردا قبيحا ولم ير منهم خيرا، فطلب إليهم ألا يشيعوا ذلك عنه لئلا تعلم قريش فيشتد أذاهم له، فلم يفعلوا بل أرسلوا سفهاءهم وغلمانهم وراءه يرمونه بالحجارة حتى أدموا عقبه، وكان مولاه زيد بن حارثة فدرأ عنه، وما زالوا على جاهليتهم حتى فتح رسول الله مكة سنة ٨ هـ ودخل العرب فى دين الله أفواجا، فوفدت عليه ثقيف فى رمضان سنة ٩ هـ وأسلمت مع من أسلم.
(٨) انتضى السيف: سله.

<<  <  ج: ص:  >  >>