وقالوا له: انزل يا بن اللخناء فكل معنا (واللخن بالتحريك: قبح ريح الفرج، وامرأة لخناء، ويقال اللخناء: التى لم تختن، وهى من شتم العرب، كأنهم يقولون: يا دنىء الأصل، أو يا لئيم الأم). فقال: هيهات! ذهب ما هنالك، وضرب بسيفه أطناب الخيمة فسقطت عليهم، وأطلق فيها نارا فأحرقت أثاتهم عليهم، وأمر بهم فجلدوا بالسياط وطوفهم فى العسكر، فدخل روح بن زنباع على عبد الملك باكيا، فقال له: مالك؟ فقال يا أمير المؤمنين، الحجاج بن يوسف الذى كان فى عديد شرطتى ضرب عبيدى، وأحرق فساطيطى، قال: على به. فلما دخل عليه، قال: ما حملك على ما فعلت؟ قال: ما أنا فعلته يا أمير المؤمنين قال: ومن فعله؟ قال: أنت والله فعلت، إنما يدى يدك، وسوطى سوطك، أنت يا أمير المؤمنين أمرتنا بالاجتهاد فيما وليتنا ففعلنا ما أمرت، وبهذه الفعلة يرتدع من بقى من أهل العسكر، وما على أمير المؤمنين أن يخلف على روح بن زنباع للفسطاط فسطاطين وللغلام غلامين، ولا يكسرنى فيما قدمنى له؟ فأعجب عبد الملك وقال: إن شرطيكم لجلد، ثم أقره على ما هو عليه، وتقدم الحجاج فى منزلته، وكان ذلك أول ما عرف من كفايته. ولما طال القتال والحصار بينه وبين زفر بن الحارث، أرسل عبد الملك رجاء بن حيوة وجماعة منهم الحجاج إلى زفر بكتاب يدعوه إلى الصلح، فأتوه بالكتاب وقد حضرت الصلاة، فقام رجا فصلى مع زفر، وصلى الحجاج وحده، فسئل عن ذلك، فقال: لا أصلى مع منافق خارج على أمير المؤمنين وعن طاعته، فسمع عبد الملك بذلك فزاد عجبا بالحجاج ورفع قدره، وولاه بلدة تسمى «تبالة» - كسحابة، بلد باليمن- وهى أول ما ولى، فخرج إليها فلما قرب سأل عنها، فقيل: إنها وراء هذه الأكمة، فقال: أف لبلدة تسترها أكمة فرجع عنها، فقيل فى المثل: أهون من تبالة على الحجاج- انظر العقد الفريد ٣: ٦، وسرح العيون ص ١١٣ - . (٢) الصفاة: الحجر الصلد الضخم.