للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فاستخرجك أمير المؤمنين من أعوان روح بن زنباع وشرطه (١)، وأنت على معاونته يومئذ محسود، فهفا أمير المؤمنين- والله يصلح بالتوبة والغفران زلّته- وكان ما لو لم يكن لكان خيرا مما كان، كلّ ذلك من تجاسرك وتحاملك على المخالفة لرأى أمير المؤمنين، فصدعت صفاتنا (٢)، وهتكت حجبنا، وبسطت يديك تحفن بهما


(١) الشرط: أعوان الولاة واحدها شرطة كغرف وغرفة، وكان أول ما ظهر من أمر الحجاج أنه اتصل بروح بن زنباع الجذامى، فكان فى عديد شرطته (وكان روح وزير عبد الملك، وبمنزلة نائبه) ثم إن عبد الملك، توجه إلى الجزيرة لقتال زفر بن الحارث الكلابى عند ما عصى عليه بقرقيسياء كما قدمنا، فشكا ما رأى من انحلال العسكر وأن الناس لا يرحلون برحيله ولا ينزلون بنزوله، فقال له روح بن زنباع: يا أمير المؤمنين، إن فى شرطتى رجلا لو قلده أمير المؤمنين أمر عسكره لأرحلهم برحيله، وأنزلهم بنزوله، يقال له الحجاج بن يوسف، قال: فإنا قد قلدناه ذلك، فكان لا يقدر أحد أن يتخلف عن الرحيل والنزول إلا أعوان روح بن زنباع، فمر يوما بعد رحيل العسكر بجماعة من خواص غلمان روح فى خيمة يأكلون، فقال لهم: ما منعكم أن ترحلوا برحيل أمير المؤمنين؟ فسخروا منه إدلالا بمحلهم ومحل سيدهم.
وقالوا له: انزل يا بن اللخناء فكل معنا (واللخن بالتحريك: قبح ريح الفرج، وامرأة لخناء، ويقال اللخناء: التى لم تختن، وهى من شتم العرب، كأنهم يقولون: يا دنىء الأصل، أو يا لئيم الأم). فقال:
هيهات! ذهب ما هنالك، وضرب بسيفه أطناب الخيمة فسقطت عليهم، وأطلق فيها نارا فأحرقت أثاتهم عليهم، وأمر بهم فجلدوا بالسياط وطوفهم فى العسكر، فدخل روح بن زنباع على عبد الملك باكيا، فقال له: مالك؟ فقال يا أمير المؤمنين، الحجاج بن يوسف الذى كان فى عديد شرطتى ضرب عبيدى، وأحرق فساطيطى، قال: على به. فلما دخل عليه، قال: ما حملك على ما فعلت؟ قال: ما أنا فعلته يا أمير المؤمنين قال: ومن فعله؟ قال: أنت والله فعلت، إنما يدى يدك، وسوطى سوطك، أنت يا أمير المؤمنين أمرتنا بالاجتهاد فيما وليتنا ففعلنا ما أمرت، وبهذه الفعلة يرتدع من بقى من أهل العسكر، وما على أمير المؤمنين أن يخلف على روح بن زنباع للفسطاط فسطاطين وللغلام غلامين، ولا يكسرنى فيما قدمنى له؟ فأعجب عبد الملك وقال: إن شرطيكم لجلد، ثم أقره على ما هو عليه، وتقدم الحجاج فى منزلته، وكان ذلك أول ما عرف من كفايته.
ولما طال القتال والحصار بينه وبين زفر بن الحارث، أرسل عبد الملك رجاء بن حيوة وجماعة منهم الحجاج إلى زفر بكتاب يدعوه إلى الصلح، فأتوه بالكتاب وقد حضرت الصلاة، فقام رجا فصلى مع زفر، وصلى الحجاج وحده، فسئل عن ذلك، فقال: لا أصلى مع منافق خارج على أمير المؤمنين وعن طاعته، فسمع عبد الملك بذلك فزاد عجبا بالحجاج ورفع قدره، وولاه بلدة تسمى «تبالة» - كسحابة، بلد باليمن- وهى أول ما ولى، فخرج إليها فلما قرب سأل عنها، فقيل: إنها وراء هذه الأكمة، فقال:
أف لبلدة تسترها أكمة فرجع عنها، فقيل فى المثل: أهون من تبالة على الحجاج- انظر العقد الفريد ٣: ٦، وسرح العيون ص ١١٣ - .
(٢) الصفاة: الحجر الصلد الضخم.

<<  <  ج: ص:  >  >>