للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من كرائم (١) ذوى الحقوق اللازمة، والأرحام الواشجة فى أوعية ثقيف، فاستغفر الله لذنب ماله عذر، فلئن استقال (٢) أمير المؤمنين فيك الرأى، لقد جالت البصيرة فى ثقيف بصالح النبى صلى الله عليه وسلم، إذ ائتمنه على الصّدقات وكان عبده، فهرب بها عنه (٣)، وما هو إلا اختيار للثّقة، والمطلب لمواضع الكفاية، فقعد فيه الرجاء، كما قعد بأمير المؤمنين فيما نصبك له، فكأنّ هذا ألبس أمير المؤمنين ثوب العزاء، ونهض بعذره إلى استنشاق نسيم الرّوح (٤)، فاعتزل عمل أمير المؤمنين، واظعن (٥) عنه باللعنة اللّازمة، والعقوبة النّاهكة (٦) إن شاء الله، إذ استحكم لأمير المؤمنين ما يحاول من رأيه، والسلام».

ودعا عبد الملك مولى له يقال له: نباتة، له لسان وفضل (٧) رأى، فناوله الكتاب، ثم قال له يا نباتة: العجل ثم العجل حتى تأتى العراق، فضع هذا الكتاب فى يد الحجاج، وترقّب ما يكون منه، فإذا جبن عند قراءته واستيعاب ما فيه فاقلعه عن عمله وانقلع معه حتى تأتى به، وهدّئ الناس حتى يأتيهم أمرى، بما تصفنى به فى حين انقلاعك، من حبّى لهم والسلامة، وإن هشّ للجواب ولم تكشفه أرنبة (٨) الحيرة، فخذ منه ما يجيب به، وأقرره على عمله، ثم اعجل علىّ بجوابه.

قال نباتة: فخرجت قاصدا إلى العراق، فضمّتنى الصحارى والفيافى (٩)، واحتوانى


(١) كرائم الأموال: خيارها التى تكرم عليك» والواشجة: الرحم المشتبكة، وقد وشجت بك قرابته تشج كوعد.
(٢) أقال عثرته: رفعه من سقوطه؛ واستقاله: طلب إليه أن يقيله، والمعنى فائن طلب أمير المؤمنين إلى رأيه أن يقيلك من سقتطك، أى أحسن بك الظن وألتمس لك العذر فيما فعلت.
(٣) انظر هامش ص ١٤٧.
(٤) الروح: الراحة.
(٥) أى ارحل.
(٦) نهكه السلطان كسمعه: بالغ فى عقوبته. ويقال أنهكه عقوبة: أى أبلغ فى عقوبته.
(٧) الفضل: الزيادة.
(٨) الأرنبة: طرف الأنف، وإضافتها إلى الحيرة: لأنها تتخلج وتهتز وقت الحيرة والدهش، أو لأن من عادة بعض الناس عند الحيرة أن يطرق برأسه ويمر أصابعه على أرنبته، وربما كان الأصل «أزية».
بفتح فسكون: أى شدة، أو «أربة» بضم فسكون، والأربة: العقدة التى لا تنحل حتى تحل حلا.
(٩) الفيافى جمع فيفاة بفتح الفاء: وهى المفازة.

<<  <  ج: ص:  >  >>