للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلا سأنح فكرة نمقّها مرصد (١) يكلب بقصّتنا، مع حسن رأى أمير المؤمنين فينا، يا غلام، فتبادر الغلمان الصّيحة فملئ علينا منهم المجلس، حتى دفّأتنى منهم الأنفاس، فقال: الدواة والقرطاس، فأتى بدواة وقرطاس، فكتب بيده، وما رفع القلم إلا مستمدّا حتى سطّر مثل خدّ الفرس، فلما فرغ قال لى: يا نباتة، هل علمت ما جئت به، فنسمعك ما كتبنا؟ قلت: لا، قال: إذن حسبك منا مثله، ثم ناولنى الجواب، وأمر لى بجائزة فأجزل، وجرّد لى كساء، ودعا لى بطعام فأكلت، ثم قال: نكلك إلى ما أمرت به من عجلة أو توان، وإنى لأحبّ مقارنتك والأنس برؤيتك، فقلت: كان معى قفل مفتاحه عندك، ومفتاح قفلك عندى، فأجدت لك الوافية بالأمرين، فأقفلت المكروه وفتحت العافية، وما ساءنى ذلك، وما أحبّ أن أزيدك بيانا، وحسبك منى استعجال القيام، ثم نهضت وقام مودّعا لى، فالتزمنى وقال:

بأبى أنت وأمى، ربّ لفظة مسموعة (٢)، ومحتقر نافع، فكن كما أظنّ، فخرجت مستقبلا وجهى، حتى وردت أمير المؤمنين، فوجدته منصرفا من صلاة العصر، فلما رآنى، قال: ما احتواك المضجع يا نباتة؟ فقلت: من خاف من وجه الصباح أدلج (٣) فسلّمت وانتبذت (٤) عنه، فتركنى حتى سكن جأشى، ثم قال: مهيم (٥)، فدفعت إليه الكتاب، فقرأه متبسما، فلما مضى فيه ضحك حتى بدت له سنّ سوداء، ثم استقصاه فانصرف إلىّ، فقال: كيف رأيت إشفاقه؟ قال: فقصصت عليه ما رأيت منه، فقال: صلوات الله على الصادق الأمين «إن من البيان لسحرا» ثم قذف الكتاب إلىّ فقال: اقرأ، فقرأته فإذا فيه:


(١) يقال أرصده إذا قعد له على طريقه يرقبه، وأرصد له بالخير والشر: كافأه، وأرصد له الأمر:
أعده، وكلب كفرح: سفه فأشبه الكلب الكلب.
(٢) فى الأصل «مسمومة» وأرى أنها محرفة، والصواب «مسموعة» كما يدل عليه ما بعده وهو قوله «فكن كما أظن» يطلب إليه أن يذكره عند عبد الملك بكلمة طيبة رجاء أن يستمع لها.
(٣) أدلج: سار من أول الليل.
(٤) أى تنحيت.
(٥) أى ما الأمر وما الخبر؟ .

<<  <  ج: ص:  >  >>