للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأوليائه فتقا، نبا عنه كيده، وكثر عليه تحسّره، بلية قرع بها فكر أمير المؤمنين ملبّسا (١) وكادحا ومؤرّشا، ليفلّ من غربه (٢) الذى نصبنى، ويصيب ثأرا لم يزل به مؤتزّا (٣)، وأذكّره مامتّ (٤) به الأوائل قديما حتى لحقت بمثله منهم، ممّا كنت أبلوه (٥) من خسّة أقدار، ومزاولة أعمال، إلى أن وصلت ذلك بالتشرّط لروح ابن زنباع، وقد علم أمير المؤمنين- بفضل ما اختار الله له تبارك وتعالى من العلم المأثور الماضى- بأن الذى عيّر به القوم مصانعهم (٦)، من أشدّ ما كان يزاوله أهل القدمة (٧) الذين اجتبى الله منهم، وقد اعتصموا وامتعضوا (٨) من ذكر ما كان، وارتفعوا بما يكون، وما جهل أمير المؤمنين- وللبيان موقعه غير محتج ولا متعدّ (٩) - أنّ متابعة روح بن زنباع طريق إلى الوسيلة لمن أراد من فوقه، وأن روحا لم يلبسنى العزم الذى به رفعنى أمير المؤمنين عن خوله، وقد ألصقتنى بروح بن زنباع همّة لم تزل نواظرها ترمى بى البعيد، وتطالع الأعلام، وقد أخذت أمير المؤمنين نصيبا اقتسمه


(١) التلبيس: التخليط والتدليس، وفى الأصل «مبلسا» وأراه محرفا إذ المبلس هو المتحير واليائس والساكت عند انقطاع حجته، والساكت من الحزن أو الخوف، وذلك غير مناسب هنا. كادحا: جاد ساعيا، والتأريش: التحريش والإفساد، أرش بين القوم: أفسد بينهم وحمل بعضهم على بعض.
(٢) الغرب: الحد.
(٣) من ائتزت القدر: إذا اشتد غليانها، وفى الأصل «موترا» وأراه محرفا.
(٤) أى ما توسل. وفى الأصل «وأذكره قديما مامت به الأوائل» وقد أصلحته كما ترى.
(٥) أى أزاوله وأمارسه، وفى الأصل «حتى لحقت بمثله منهم وممن كنت أبلوه» وهو تحريف.
(٦) المصانع: جمع مصنعة: ما يصنعه الناس من الآبار والأبنية وغيرها، وقد تقدم فى كتاب عبد الملك إليه: «فمن حافر وناقل وماتح ... » وفى كتاب سابق: «اذكر مكاسب آبائك بالطائف، إذ كانوا ينقلون الحجارة على أكتافهم، ويحفرون الآبار والمناهل بأيديهم».
(٧) القدمة: السابقة فى الأمر كالقدم بالتحريك، يقال: لفلان قدم صدق، أى سابق خير وأثر حسن، ومنه قوله تعالى «وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ» وكذلك القدمة. واجتبى: اصطفى واختار.
(٨) أى غضبوا وشق عليهم.
(٩) غير محتج حال من البيان، وفى إسناده إلى البيان مجاز عقلى أى غير محتج صاحبه أو هو حال من المتكلم والجملة احتراس تأدبا فى مخاطبة عبد الملك، يعنى أنه يدلى ببيانه هذا فى غير احتجاج على أمير المؤمنين ولا تعد لحدود ما يجب عليه له من التوقير والتعظيم، وفى الأصل «ولا متعدد» وهو تحريف.

<<  <  ج: ص:  >  >>