للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حيلته، ووهن (١) كيده يوم كيت وكيت، ولا أظن أذكر لها من أمير المؤمنين، ولقد سمعت لأمير المؤمنين فى صالح صلوات الله عليه، وفى ثقيف مقالا هجم بى الرّجاء لعدله عليه، بالحجّة فى ردّه بمحكم التنزيل على لسان ابن عمه خاتم النبيين وسيد المرسلين، صلى الله عليه وسلم، فقد أخبر عن الله عزّ وجل وحكاية غرّ الملأ (٢) من قريش عند الاختيار والافتخار، وقد نفخ الشيطان فى مناخرهم، فلم يدعوا خلف ما قصدوا إليه مواسى (٣)، «وقالوا لولا نزّل هذا القرآن على رجل من القريتين (٤) عظيم» فوقع اختيارهم- عند المباهاة بنفخة الكبر وكبر الجاهلية- على الوليد ابن المغيرة المخزومى وأبى مسعود (٥) الثقفى، فصارا فى الافتخار بهما صنوين (٦)، ما أنكر اجتماعهما من الأمة منكر، فى مدّ صوت القرآن، ومبلّغ الوحى، وإن كان ليقال للوليد فى الأمة يومئذ «ريحانة قريش»، وما ردّ ذلك العزيز تعالى إلا بالرحمة الشاملة فى القسم السابق؛ فقال عز وجل: «أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ، نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا»، وما قدّمتنى يا أمير المؤمنين ثقيف فى الاحتجاج لها، وإنّ لها مقالا رحبا، ومعاندة قديمة، إلا أن هذا من أيسر ما يحتجّ


(١) وهن: ضعف، وفعله كوعد وورث وكرم، وكيت وكيت ويكسر آخرهما: أى كذا وكذا.
(٢) الملأ: الجماعة. والغر: المشهورون، جمع أغر.
(٣) المواساة: المشاركة، والتسوية، وأصلها الهمزة فقلبت واوا تخفيفا، ويقال ما يؤاسى فلان فلانا:
أى ما يشاركه، وآسيته بنفسى: سويته (وآسيته بمالى: أنلته منه وجعلته فيه أسوة بكسر الهمزة وضمها أى قدوة)، وفى الحديث: «ما أحد عندى أعظم يدا من أبى بكر، آسانى بنفسه وماله» وقد تقدم فى الجزء الأول فى كتاب عمر إلى أبى موسى: «آس بين الناس فى وجهك ومجلسك وعدلك» أى سو بينهم واجعل كل واحد منهم أسوة خصمه. وفى كتاب على عليه السلام «آس بينهم فى اللحظة والنظرة» فمعنى الجملة: أنهم حين اختيارهم لم يدعوا وراء ما قصدوا إليه محلا للتسوية بين من اختاروهم وبين غيرهم، فاختاروا رجلين لا يسوى بهما غيرهما ولا يشاركهما أحد فى السودد ورفعة القدر، وفى الأصل «موسى» وهو تحريف وصوابه «مواسى كما رأيت».
(٤) مكة والطائف.
(٥) هو عروة بن مسعود الثقفى.
(٦) إذا خرجت نخلتان أو ثلاث من أصل واحد، فكل واحدة منهن صنو، والاثنان صنوان، والجمع صنوان برفع النون.

<<  <  ج: ص:  >  >>