للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بلايا وسيئات لم يكن له عنها محيص (١) ولا دونها مقصّر بالقدر السابق، والعلم النافذ فى محكم الوحى، فإن يعف ويصفح فذلك ما عرف منه قديما، ونسب إليه حديثا، وتلك صفته التى وصف بها نفسه فى كتابه الصادق، وكلامه الناطق، وإن يعاقب وينتقم، فبما قدّمت يداه، وما الله بظلّام للعبيد، وأنى أحرّج (٢) على من قرأ عهدى هذا وسمع ما فيه من حكمة أن ينتهى إليه فى أمره ونهيه، بالله العظيم، وبمحمد رسوله الكريم، صلى الله عليه وسلم، وأن يدع الإحن المضغنة (٣) ويأخذ بالمكارم المدجنه (٤) ويرفع يديه إلى السماء بالابتهال الصحيح، والدعاء الصّريح (٥)، يسأله العفو عنى والمغفرة لى والنجاة من فزعى والمسألة فى قبرى، نملّ الودود أن يجعل منكم مجاب الدعوة بما علىّ من صفحه يعود، إن شاء الله.

وأن ولىّ عهدى فيكم وصاحب أمرى بعد موتى فى جندى ورعيتى وخاصّتى وعامّتى وكلّ من استخلفنى الله عليه واسترعانى النظر فيه الرجل الصالح عمر بن عبد العزيز ابن عمى لما بلوت من باطن أمره وظاهره، ورجوت الله بذلك، وأردت رضاه ورحمته إن شاء الله، ثم ليزيد بن عبد الملك من بعده، فإنى ما رأيت منه إلا خيرا، ولا اطّلعت له على مكروه، وصغار ولدى وكبارهم إلى عمر، إذ رجوت ألّا يألوهم رشدا وصلاحا، والله خليفتى عليهم، وعلى جماعة المؤمنين والمسلمين، وهو أرحم الراحمين، وأقرأ عليكم السلام ورحمة الله، ومن أبى عهدى هذا وخالف أمرى فالسيف، ورجوت أن لا يخالفه أحد، ومن خالفه فهو ضالّ مضلّ يستعتب (٦)، فإن أعتب وإلّا فالسيف، والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله القديم الإحسان».

(الإمامة والسياسة ٢: ٨٠، وصبح الأعشى ٩: ٣٦٠)


(١) فى صبح الأعشى: «لم يكن له عنها محيد ولا بد، جرى بها المقدور من الرب، النافذ إلى إتمام ما حد، فإن يعف ... ».
(٢) التحريج: التضييق.
(٣) الإحن: جمع إحنة، وهى الحقد والمضغنة: المسببة للضغينة.
(٤) المدجنة: أى الثابتة الملازمة، من أدجن إذا أقام فى بيته ولزمه.
(٥) وفى صبح الأعشى: «ويرفع يديه إلى الله بالضمير النصوح، والدعاء الصحيح. والصفح الصريح ... ».
(٦) أى تطلب إليه العتبى (كحبلى) وهى الرجوع عن الذنب والإساءة، وأعتبنى فلان: ترك ما كنت أجد عليه من أجله، ورجع إلى ما أرضانى عنه بعد إسخاطه إياى عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>