للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عنك، رأى فى معاجلتك بالعقوبة رأيه. إن النّعمة إذا طالت بالعبد ممتدّة أبطرته، فأساء حمل الكرامة، واستقلّ العافية، ونسب ما فى يديه إلى حيلته وحسبه وبيته ورهطه وعشيرته، فإذا نزلت به الغير (١)، وانكشطت عنه عماية الغىّ والسّلطان، ذلّ منقادا، وندم حسيرا، وتمكّن منه عدوّه قادرا عليه، قاهرا له، ولو أراد أمير المؤمنين إفسادك، لجمع بينك وبين من شهد فلتات خطلك، وعظيم زللك، حيث تقول لجلسائك: «والله ما زادتنى ولاية العراق شرفا، ولا ولّانى أمير المؤمنين شيئا لم يكن من قبلى ممن هو دونى يلى مثله» ولعمرى لو ابتليت ببعض مقاوم (٢) الحجّاج فى أهل العراق فى تلك المضايق التى لقى، لعلمت أنك رجل من بجيلة (٣)، فقد خرج عليك أربعون رجلا فغلبوك على بيت مالك وخزائنك، حتى قلت: أطعمونى (٤) ماء! دهشا وبعلا (٥) وجبنا، فما استطعتهم إلا بأمان، ثم أخفرت (٦) ذمّتك؛ منهم رزين وأصحابه، ولعمرى أن لو حاول أمير المؤمنين مكافأتك بخطلك فى مجلسك، وجحودك فضله إليك، وتصغير ما أنعم به عليك، فحلّ العقدة، ونقض الصّنيعة، وردّك إلى منزلة أنت أهلها، كنت لذلك مستحقّا.


(١) الغير: حوادث الدهر. وانكشطت: ذهبت وانكشفت.
(٢) مقاوم: جمع مقام بالفتح.
(٣) يلقب خالد بن عبد الله بالقسرى نسبة إلى قسر بن عبقر وهى بطن من بجيلة، وسيأتى أن هشاما كتب إليه من رسالة يقول: «كيف لا تكون إمرة العراق لك شرفا، وأنت من بجيلة القليلة الذليلة؟ ».
(٤) وذلك أنه خرج عليه المغيرة بن سعيد بالكوفة سنة ١١٩ فى عشرين أو أربعين رجلا: وعرف بذلك وهو على المنبر فدهش وتحير فقال: أطعمونى ماء.
(٥) بعل بالأمر كفرح: دهش وفرق وبرم فلم يدر ما يصنع.
(٦) أى غدرت ونقضت عهدك، وذلك أنه أمر بأطنان قصب ونفط فأحضرا (والأطنان جمع طن بالضم وهو الحزمة من القصب) ثم أمر المغيرة أن يتناول طنا فكع عنه (أى ضعف) وتأنى، وصبت السياط على رأسه؛ فتناول طنا فاحتضنه فشد عليه، ثم صب عليه وعلى الطن نفط، ثم ألهبت فيهما النار فاحترقا، وكذا فعل بأصحابه- انظر تاريخ الطبرى ج ٨: ص ٢٤١.

<<  <  ج: ص:  >  >>