للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من مزيّة كرمه، وتعرّفوا من ذخيرة عائدته (١)، ومأمون حفاظه، وكشف لهم عن نفسه، مظهرا أعلامه، مبديا دفينته، طارحا قناع سرّه، معلنا مكنون ضميره، فى نأى الدار، وجدان (٢) المجتمع، بإظهار ما استتر من المحاسن، وبثّ فى الحقب (٣) من المكارم، قياما لهم بالنّصرة، وحياطا للمودّة، وترغيبا فى العشرة، فكان أكهف (٤) لجأ، وأحرز حصن، وأحصف جنّة (٥) وأعون ظهير، وأبقى ذخيرة، وأعظم فائدة، وأشرف كنز، وأفخر صنيعة، وآنق منظر، وأينع زهرة، أكثر الأشياء ربعا (٦) وأنماها وصلا، وأمدّها سببا، وأقواها أبدا، وأحلاها ذوقا، وأدعمها ثباتا، وأرساها ركنا، لا يدخل مستحقّها سآمة ملال، ولا كلال مهنة (٧)، ولا تثبيط ونية، ولا ضعف خور، لنزول بائقة، أو طروق طارقة، من عوارض الأقدار، وحوادث الزمان، بل مواسيا فى إزمها (٨)، متورّطا غمرات قحمها، متدرّعا هائل بوائقها، مستلحما نواظر مقاطعها (٩)، حتى تصير به الأقدار إلى تناهيها، ويبلغ به القضاء مقداره، غير منّان بالنصرة، ولا برم (١٠) بالتعب، يرى تعبه غنما،


(١) العائدة: المعروف والصلة والمنفعة.
(٢) كذا فى الأصل، والمعنى عليه غير ظاهر.
(٣) الحقب: جمع حقبة بالكسر، وهى من الدهر مدة لا وقت لها، والسنة.
(٤) الكهف واللجأ بالتحريك والملجأ والموئل والوزر والملاذ والمعقل: واحد، ومعنى أكهف:
أمنع وأحصن.
(٥) الجنة: كل ما وقى، وحصف عقله ككرم فهو حصيف: أى محكم العقل جيد الرأى، وأحصف الأمر. أحكمه، والحبل: أحكم فتله، وربما كان الأصل «وأحصن». والظهير: المعين، وأنق الشىء كفرح: راع حسنه وأعجب، فهو أنيق أى حسن معجب.
(٦) راع يريع ريعا: نما وزاد وزكا. والأيد: القوة.
(٧) المهنة بالكسر والفتح والتحريك وككلمة: الحذق بالخدمة والعمل، ويقال: افعل ذلك بلا ونية:
أى بلا توان، والبائقة: الداهية، والجمع بوائق.
(٨) الأزمة بالفتح ويحرك: الشدة، والجمع أزم بالفتح وإزم كعنب، والورطة: الهلكة (بالتحريك) وكل أمر تعسر النجاة منه. وتورط فيه: وقع، والغمرة بالفتح: الشدة، والقحم جمع قحمة بالضم:
وهى المهلكة.
(٩) يقال: استلحم الطريدة أى تبعها، ونواظر جمع ناظرة، والمعنى متتبعا مقاطعها التى تنظره وترتقبه.
(١٠) برم بالأمر كفرح: ضجر وسئم، وفى الأصل «غير منان النصرة ولا برم التعب» وهو تحريف.

<<  <  ج: ص:  >  >>