للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إليه، وآمرا به، حتى كان من أجابه من أمته، ودخل فى الدين الذى أكرمهم الله به، مضدقين لما سلف من أنبياء الله، فيما يكذّبهم فيه قومهم، منتصحين لهم فيما ينهونه (١) ذابّين لحرمهم عما كانوا منتهكين، معظّمين منها لما كانوا مصغّرين، فليس من أمة محمد صلى الله عليه وسلم أحد كان يسمع لأحد من أنبياء الله فيما بعثه الله به مكذّبا، ولا عليه فى ذلك طاعنا، ولا له مؤذيا، بتسفيه له أو ردّ عليه، إذ جحد (٢) لما أنزل الله عليه معه، فلم يبق كافر إلا استحلّ بذلك دمه، وقطع الأسباب التى كانت بينه وبينه، وإن كانوا آباءهم أو أبناءهم أو عشيرتهم، ثم استخلف خلفاءه على منهاج نبوّته، حين قبض نبيّه صلى الله عليه وسلم، وختم به وحيه، لإنفاذ حكمه، وإقامة سنّته وحدوده، والأخذ بفرائضه وحقوقه، تأييدا بهم للإسلام، وتشييدا بهم لعراه، وتقوية بهم لقوى حبله، ودفعا بهم عن حريمه، وعدلا بهم بين عباده، وإصلاحا بهم لبلاده، فإنه تبارك وتعالى يقول: «وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ، وَلكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ». فتتابع خلفاء الله على ما أورثهم الله عليه من أمر أنبيائه، واستخلفهم عليه منه، لا يتعرّض لحقهم أحد إلا صرعه الله، ولا يفارق جماعتهم أحد إلا أهلكه الله، ولا يستخفّ بولايتهم ويتّهم قضاء الله فيهم أحد إلا أمكنهم الله منه، وسلّطهم عليه، وجعله نكالا وموعظة لغيره، وكذلك صنع الله بمن فارق الطاعة، التى أمر بلزومها، والأخذ بها، والأثرة لها (٣)، والتى قامت بها السموات والأرض، قال الله تبارك وتعالى: «ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ». وقال عز ذكره:

«وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً، قالُوا: أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ»


(١) أنهى الشىء: أبلغه.
(٢) المعنى: إذ أنه لو فعل ذلك لجحد ما أنزل الله عليه.
(٣) أى الإيثار والتفضيل لها.

<<  <  ج: ص:  >  >>