للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ، قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ».

فبالخلافة أبقى الله من أبقى فى الأرض من عباده، وإليها صيّره، وبطاعة من ولّاه إياها سعد من ألهمها ونصرها، فإن الله عز وجل علم أن لا قوام لشىء ولا صلاح له إلا بالطاعة التى يحفظ الله بها حقّه، ويمضى بها أمره، وينكل (١) بها عن معاصيه، ويوقف عن محارمه، ويذبّ عن حرماته، فمن أخذ بحظّه منها كان لله وليّا، ولأمره مطيعا، ولرشده مصيبا، ولعاجل الخير وآجله مخصوصا، ومن تركها ورغب عنها، وحادّ (٢) الله فيها أضاع نصيبه، وعصى ربّه، وخسر دنياه وآخرته، وكان ممّن غلبت عليه الشّقوة، واستحوذت عليه الأمور الغاوية التى تورد أهلها أفظع المشارع (٣)، وتقودهم إلى شر المصارع، فيما يحلّ الله بهم فى الدنيا من الذلة والنّقمة، ويصيّرهم فيما عندهم (٤) من العذاب والحسرة.

والطاعة رأس هذا الأمر، وذروته وسنامه، وذمامه وملاكه، وعصمته وقوامه، بعد كلمة الإخلاص (٥) التى ميّز الله بها بين العباد، وبالطاعة نال المفلحون من الله منازلهم، واستوجبوا عليه ثوابهم، وفى المعصية ما يحلّ بغيرهم من نقماته، ويصيبهم ويحقّ عليهم من سخطه وعذابه (٦)، وينزل بالطاعة والإضاعة لها والخروج منها والإدبار عنها والتبدّل بها، أهلك الله من ضلّ وعتا (٧)، وعمى وغلا، وفارق مناهج البرّ والتقوى، فالزموا طاعة الله فيما عراكم ونالكم وألمّ بكم من الأمور، وناصحوها، واستوثقوا عليها، وسارعوا إليها، وخالصوها، وابتغوا القربة إلى الله


(١) أنكله عن حاجته: دفعه عنها.
(٢) أى غاضبه وخالفه.
(٣) المشارع: جمع مشرعة بالفتح» وهى مورد الشاربة.
(٤) هكذا فى الأصل، والأظهر أن صوابه «فيما أعد لهم من العذاب والحسرة» أى فى الآخرة.
(٥) كلمة الإخلاص كلمة التوحيد.
(٦) فى الأصل: وفى المعصية مما يحل بغيرهم من نقماته، وتصيبهم عليه، ويحق من سخطه وعذابه الخ «وأرى أن هذه العبارة مضاربة وقد أصلحتها كما ترى.
(٧) عتا: استكبر وجاوز الحد.

<<  <  ج: ص:  >  >>