للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بها، فإنكم قد رأيتم مواقع قضاء الله لأهلها فى إعلائه إياهم، وإفلاجه (١) حجّتهم، ودفعه باطل من حادّهم وناوأهم (٢) وساماهم، وأراد إطفاء نور الله الذى معهم، وخبّرتم مع ذلك ما يصير إليه أهل المعصية من التوبيخ لهم، والتقصير بهم، حتى يئول أمرهم إلى تبار (٣) وصغار، وذلّة وبوار، وفى ذلك- لمن كان رأى وموعظة- عبرة ينتفع بواضحها، ويتمسّك بحظوتها (٤)، ويعرف خيرة قضاء الله لأهلها.

ثم إن الله- وله الحمد والمنّ والفضل- هدى الأمة لأفضل الأمور عاقبة لها، فى حقن دمائها، والتئام ألفتها، واجتماع كلمتها، واعتدال عمودها، وإصلاح دهمائها (٥) وذخر النعمة عليها فى دنياها، بعد خلافته التى جعلها لهم نظاما، ولأمرهم قواما، وهو العهد الذى ألهم الله خلفاءه توكيده، والنظر للمسلمين فى جسيم أمرهم فيه، ليكون لهم- عند ما يحدث بخلفائهم- ثقة فى المفزع، وملتجأ فى الأمر، ولمّا للشّعث (٦)، وصلاحا لذات البين، وتثبيتا لأرجاء الإسلام، وقطعا لنزغات الشيطان، فيما يتطلّع إليه أولياؤه، ويوثّبهم عليه من تلف هذا الدين، وانصداع شعب (٧) أهله، واختلافهم فيما جمعهم الله عليه منه، فلا يريهم الله فى ذلك إلا ما ساءهم، وأكذب أمانيّهم، ويجدون الله قد أحكم- بما قضى لأوليائه من ذلك- عقد أمورهم، ونفى عنهم من أراد فيها إدغالا (٨)، أو بها إغلالا، أو لما شدّد الله منها توهينا (٩)، أو فيما تولّى الله منها اعتمادا، فأكمل الله بها لخلفائه، وحزبه البرّ، الذين أودعهم طاعته، أحسن الذى عوّدهم، وسبّب لهم من إعزازه وإكرامه، وإعلائه وتمكينه، فأمر هذا العهد


(١) أفلج الله حجته: نصرها وأظهرها.
(٢) ناوأه: عاداه، وساماه: باراه فى السمو.
(٣) التبار والبوار: الهلاك. والصغار: الذل.
(٤) الحظوة بالضم والكسر: المكانة.
(٥) الدهماء: جماعة الناس، وذخره: أعده لوقت الحاجة إليه.
(٦) الشعث: الانتشار والتفرق.
(٧) انصداع: انشقاق، والشعب: الجمع.
(٨) الدغل بالتحريك: دخل فى الأمر مفسد، وأدغل فى الأمر: أدحل ما يفسده، والإغلال: الخيانة،
(٩) التوهين الإضعاف.

<<  <  ج: ص:  >  >>