للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الناس ويكفّهم- وكان سعيد يتألّه (١) -:

«إن الله جعل لكل أهل بيت أركانا يعتمدون عليها، ويتّقون بها المخاوف، وأنت بحمد ربك ركن من أركان أهل بيتك، وقد بلغنى أن قوما من سفهاء أهل بيتك قدا استنّوا أمرا، إن تمّت لهم رويّتهم فيه على ما أجمعوا عليه من نقض بيعتهم، استفتحوا بابا لن يغلقه الله عنهم، حتى تسفك دماء كثيرة منهم، وأنا مشتغل بأعظم ثغور المسلمين فرجا (٢)، ولو جمعتنى (٣) وإياهم لرممت فساد أمرهم بيدى ولسانى، ولخفت الله فى ترك ذلك، لعلمى ما فى عواقب الفرقة من فساد الدين والدنيا، وأنه لن ينتقل سلطان قوم قطّ إلا فى تشتيت كلمتهم، وأن كلمتهم إذا تشوّشت (٤) طمع فيهم عدوّهم، وأنت أقرب إليهم منى، فاحتل لعلم ذلك بإظهار المتابعة لهم، فإذا صرت إلى علم ذلك، فتهدّدهم بإظهار أسرارهم، وخذهم بلسانك،


- حتى أورثه ذلك هلاكه- إفساده على نفسه بنى عميه: ولد هشام بن عبد الملك وولد الوليد بن عبد الملك، من ذلك أنه اشتد على بنى هشام، فضرب سليمان بن هشام مائة سوط وحلق رأسه ولحيته، وغربه إلى عمان فحبسه بها، فلم يزل بها محبوسا حتى قتل الوليد، وأخذ جارية كانت لآل الوليد فكلمه عمر بن الوليد فيها، فقال: لا أردها، فقال: إذن تكثر الصواهل حول عسكرك، ورماه بنو هشام وبنو الوليد بالكفر والزندقة وغشيان أمهات أولاد أبيه، وكان أشدهم فيه قولا يزيد بن الوليد بن عبد الملك، وكان الناس إلى قوله أميل، لأنه كان يظهر النسك ويتواضع، ويقول ما يسعنا الرضا بالوليد، حتى حمل الناس على الفتك به، هذا إلى إفساده على نفسه اليمانية وهم عظم جند أهل الشأم، واضطغانهم عليه لما صنع بخالد بن عبد الله القسرى، فأتت اليمانية يزيد بن الوليد فأرادوه على البيعة، وأتى يزيد أخاه العباس فأخبره وشاوره وعاب الوليد، فقال له العباس: مهلا يا يزيد، فإن فى نقض عهد الله فساد الدين والدنيا، ودب يزيد فى الناس فبايعوه سرا، وعاود أخاه العباس فشاوره فى ذلك، فزجره العباس وقال: إن عدت لمئل هذا لأشدنك وثاقا وأحملنك إلى أمير المؤمنين، وجعل يزيد يعد العدة حتى وثب على الوليد فقتله.
(١) التأله: التنسك والتعبد.
(٢) الفرج: الثغر وموضع المخافة.
(٣) فاعل جمعتنى مفهوم من المقام، أى فرصة أو بلدة مثلا.
(٤) قال الجوهرى فى الصحاح: التشويش: التخليط، وقد تشوش عليه الأمر» وفى لسان العرب:
«وأما التشويش فقال أبو منصور: إنه لا أصل له فى العربيّة، وإنه من كلام المولدين، وأصله التهويش وهو التخليط» وفى القاموس: والتشويش والمشوش والتشوش كلها لحن، ووهم الجوهرى، والصواب التهويش والمهوش والتهوش». وأقول: ربما كانت هذه الكلمة فى الأصل» تشتتت» لقوله قبل: «إلا فى تشتيت كلمتهم» ثم حرفت فى النسخ أو الطبع.

<<  <  ج: ص:  >  >>