للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بحيث اصطنعك (١) الله لولاية العهد، مختصّا لك بذلك دون لحمتك (٢) وبنى أبيك.

ولولا ما أمر الله تعالى به دالّا عليه، وتقدّمت فيه الحكماء آمرين به: من تقديم العظة، والتذكير لأهل المعرفة، وإن كانوا أولى سابقة فى الفضل، وخصّيصاء فى العلم (٣) لاعتمد أمير المؤمنين منك على اصطناع الله إياك، وتفضيله لك بما رآك أهله فى محلّك من أمير المؤمنين، وسبقك إلى رغائب أخلاقه، وانتزاعك محمود شيمه، واستيلائك على مشابه تدبيره.

ولو كان المؤدّبون أخذوا العلم من عند أنفسهم، ولقّنوه إلهاما من تلقائهم، ولم يتعلّموا شيئا من عند غيرهم، لنحلناهم (٤) علم الغيب، ووضعناهم بمنزلة خالقهم (٥) المستأثر بعلم الغيب عنهم بوحدانيته وفردانيته فى إلهيّته، احتجابا منهم لتعقّب فى حكمه، وتثبّت فى سلطانه، وتنفيذ إرادته على سابق مشيئته، ولكنّ العالم الموفّق للخير، المخصوص بالفضل، المحبوّ بمزية العلم وصفوته، أدركه معانا عليه بلطف بحثه، وإذلال كنفه، وصحّة فهمه، وهجر سآمته.

وقد تقدّم أمير المؤمنين إليك، آخذا بالحجّة عليك، مؤدّيا حقّ الله الواجب عليه فى إرشادك، وقضاء حقك، وما ينظر به الوالد المعنىّ الشفيق لولده، وأمير المؤمنين يرجو أن ينزّهك الله عن كل قبيح يهشّ (٦) له طمع، وأن يعصمك من كل مكروه حاق بأحد، وأن يحصّنك من كل آفة استولت على امرئ فى دين أو خلق، وأن يبلّغه


(١) أى اختارك.
(٢) اللحمة: القرابة.
(٣) فى المنظوم والمنثور (بعد إصلاح ما فيه): «ولولا ما أمر الله به دالا عليه بتقدمة المعرفة لمن كانوا أولى سابقة فى الدين وخصيصى فى العلم» وخصه بالشىء خصا (بالفتح) وخصوصا وخصوصية (بالفتح والضم) وخصيصى (بالكسر والقصر ويمد) وخصية (بالفتح والتشديد) وتخصة: فضله.
(٤) أى لنسبنا إليهم.
(٥) فى صبح الأعشى: «ووضعناهم بمنزلة قصر بها عنهم خالقهم المستأثر بعلم الغيب عنهم بوحدانيته فى فردانيته وسابق لا هوتيته».
(٦) هش (من بابى تعب وضرب) هشاشة وهشاشا: إذا خف إليه وارتاح له ونشط، وهو به هش بش، والطمع: الطامع.

<<  <  ج: ص:  >  >>