للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الناس عندك بالغيبة، والتقرب إليك بالسّعاية، والإغراء من بعض ببعض، والنّميمة إليك بشىء من أحوالهم المستترة عنك، أو التحميل لك على أحد منهم بوجه النصيحة ومذهب الشفقة، فإن ذلك أبلغ بك سموا إلى منال الشرف، وأعون لك على محمود الذكر، وأطلق لعنان الفضل، فى جزالة الرأى، وشرف الهمّة، وقوة التدبير.

واملك نفسك عن الانبساط فى الضحك والانفهاق (١)، وعن القطوب بإظهار الغضب وتنحّله، فإن ذلك ضعف عن ملك سورة (٢) الجهل، وخروج من انتحال اسم الفضل، وليكن ضحكك تبسّما أو كشرا (٣) فى أحايين ذلك وأوقاته، وعند كل رائع مستخفّ مطرب (٤)، وقطوبك إطراقا فى مواضع ذلك وأحواله، بلا عجلة إلى السّطوة، ولا إسراع إلى الطّيرة، دون أن يكنفها رويّة الحلم، وتملك عليها بادرة الجهل.

إذا كنت فى مجلس ملئك وحيث حضور العامة مجلسك، فإياك والرمى ببصرك إلى خاصّ من قوّادك، أو ذى أثرة (٥) عندك من حشمك، وليكن نظرك مقسوما فى الجميع، وإعارتك (٦) سمعك ذا الحديث بدعة هادئة ووقار حسن، وحضور فهم مستجمع، وقلة تضجّر بالمحدّث، ثم لا يبرح وجهك إلى بعض قوّادك وحرسك متوجّها بنظر ركين، وتفقّد محض، فإن وجّه إليك أحد منهم نظره محدّقا (٧)، أو رماك ببصره ملحّا، فاخفض عنه إطراقا جميلا باتّداع (٨) وسكون، وإياك والتسرع فى الإطراق، والخفّة فى تصريف النظر، والإلحاح على من قصد إليك فى مخاطبته إياك رامقا بنظره.


(١) انفهق الشىء: اتسع، وقطب كضرب قطبا وقطوبا. زوى ما بين عينيه وكلح كقطب، وانتحل قول غيره وتنحل: ادعاه لنفسه.
(٢) ملك مثلث الميم مصدر ملك، وسورة الجهل:
حدته.
(٣) كشر عن أسنانه كضرب كشرا: أبدى، يكون فى الضحك وغيره، وفى المنظوم والمنثور «أو كبرا» وهو تحريف.
(٤) وفيه «وعند كل رأى ملين ومستخف مطرب» وهو تحريف.
(٥) ذى أثرة بالضم والكسر وأثرة بالتحريك: أى من اختصصته بفضلك وقدمته.
(٦) أعاره سمعه: أصغى إليه، وفى صبح الأعشى ومفتاح الأفكار «وإراعتك» وهو تحريف.
(٧) حدق إليه بالنظر: شدد النظر إليه، وفى المنظوم والمنثور «محدثا».
(٨) وفيه «بإبداع» وهو تحريف.

<<  <  ج: ص:  >  >>