للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منهم فكلّمك بخلاف ما أنهى إلى كاتبك، وطوى عنه حاجته قبلك، دفعته عنك دفعا جميلا، ومنعته جوابك منعا وديعا (١)، ثم أمرت حاجبك بإظهار الجفوة له والغلظة عليه، ومنعه من الوصول إليك، فإنّ ضبطك لذلك مما يحكم لك تلك الأسباب، صارفا عنك مئونتها، ومسهّلا عليك مستصعبها (٢)، إن شاء الله.

احذر تضييع رأيك، وإهمالك أدبك فى مسالك الرضا والغضب، واعتوارهما (٣) إياك، فلا يزدهينّك إفراط عجب تستخفّك روائعه (٤)، ويستهويك منظره، ولا يبدرنّ منك ذلك خطأ ونزق خفّة لمكروه إن حلّ بك أو حادث إن طرأ عليك، وليكن لك من نفسك ظهرىّ ملجأ تتحرّز به من آفات الرّدى، وتستعهده (٥) فى مهمّ نازل، وتتعقّب به أمورك فى التدبير، فإن احتجت إلى مادّة من عقلك، ورويّة من فكرك، أو انبساط من منطقك، كان انحيازك إلى ظهريّك مزدادا مما أحبيت الامتياح منه (٦) والامتيار، وإن استدبرت (٧) من أمورك بوادر جهل، أو مضى زلل، أو معاندة حق، أو خطل تدبير، كان ما احتجنت (٨) من رأيك عذرا لك عند نفسك، وظهريا قويّا على ردّ ما كرهت، وتخفيفا لمؤنة الباغين عليك فى القالة وانتشار الذكر، وحصنا من غلوب الآفات عليك، واستعلائها على أخلاقك.

وامنع أهل بطانتك وخاصّة خدمك وعامّة رعيّتك من استلحام (٩) أعراض


(١) فى المنظوم والمنثور «منعا ودفعا».
(٢) هذه الجملة ساقطة من المنظوم والمنثور.
(٣) أى تداولهما.
(٤) جمع رائع، من راعه الشىء إذا أعجبه، واستهواه، استماله.
(٥) استعهد فلانا من نفسه: ضمنه حوادث نفسه، وفى صبح الأعشى «وتستعضده» وفى كتب اللغة: اعتضد به: استعان به، أقول والاستعضاد كالاستعانة: أى تتخذه عضدا لك.
(٦) امتاح: استقى، وامتار لأهله: جلب لهم الميرة بالكسر أى الطعام.
(٧) هكذا فى الأصول التى نقلت منها، ولعل صوابه «أدبرت» بمعنى وقعت ولا يستطاع تلافيها، ويستأنس لذلك بقوله بعد «أو مضى زلل» أو صوابه ابتدرت أى ابتدرتك بوادر جهل، وابتدره الأمر عاجله، والبادرة: ما يبدر من حدتك فى الغضب من قول أو فعل.
(٨) من احتجن المال: أى ضمه واحتواه.
(٩) معناه أكل لحومهم بالغيبة، وفى كتب اللغة استلحم الطريدة: تبعها، واستلحم الطريق: ركب أوسعه واتبعه.

<<  <  ج: ص:  >  >>