للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يستعين فيه إلا بالثّقات النّصّاح، فإنّ ترك ذلك وأشباهه أحزم بتاركه من الاستعانة فيه بغير الثقة، فتصير مغبّته للجهالة والكذب.

ومما يذكر به أمير المؤمنين- أمتع الله به- أمر هذين المصرين (١)، فإنهم- بعد أهل خراسان- أقرب الناس إلى أن يكونوا شيعته ومعينيه، مع اختلاطهم بأهل خراسان- وإنهم منهم وهامتهم (٢) -، وإنما ينظر أمير (٣) المؤمنين منهم إلى صدق رابطتهم، وما أراد معزّتة (٤) من أمورهم استعان أهل خراسان فى ذلك لهم، مع الذى فى ذلك من جمال الأمر، واختلاط الناس بالناس، العرب بالعجم، وأهل خراسان بالمصرين.

إن فى أهل العراق يا أمير المؤمنين من الفقه والعفاف والألباب والألسنة، شيئا لا يكاد يشكّ أنه ليس فى جميع من سواهم من أهل القبلة مثله ولا مثل نصفه، فلو أراد أمير المؤمنين أن يكتفى بهم فى جميع ما يلتمس له أهل هذه الطّبقة من الناس، رجونا أن يكون ذلك فيهم موجودا، وقد أزرى بأهل العراق فى تلك الطّبقة أن ولاة العراق فيما مضى كانوا أشرار الولاة، وأن أعوانهم من أهل أمصارهم كذلك فحمل جميع أهل العراق على ما ظهر من أولئك الفسول (٥)، وتعلّق بذلك أعداؤهم من أهل الشام فنعوه (٦) عليهم، ثم كانت هذه الدولة فلم يتعلّق من دونكم من الوزراء والعمال إلّا بالأقرب فالأقرب مما دنا منهم، أو وجدوه بسبيل شىء من الأمر، فوقع رجال مواقع شائنة لجميع أهل العراق، حيثما وقعوا من صحابة خليفة، أو ولاية


(١) يعنى البصرة والكوفة.
(٢) هامة كل شىء: رأسه.
(٣) فى الأصل «وإنما ينظر أمير المؤمنين منهم .... صدق ولرابطتهم أو ما أراد من أمورهم معرفته استثقال أهل خراسان ذلك لهم من أمرهم» والعبارة مضطربة محرفة، وقد أصلحتها كما ترى.
(٤) أى تقويته من عز كضرب: إذا قوى بعد ذلة، وأرى أن هذه الكلمة أنسب من كلمة «معرفته» الواردة فى الأصل، وبها ينسجم المعنى، وربما كان الأصل «تقويته».
(٥) الفسول جمع فسل بالفتح؛ وهو الرذل الذى لا مروءة له.
(٦) نعى عليه ذنوبه ينعاها: أى أظهرها وشهرها.

<<  <  ج: ص:  >  >>