للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما خرج من مصر فضلا عن حقوق أهل المدينة ومكة، بأن يجعل أمير المؤمنين ديوان مقاتلتهم ديوانهم، أو يزيد، أو ينقص، غير أنه يأخذ أهل القوة والغناء (١) وخفّة المؤنة والخفّة فى الطاعة، ولا يفضّل أحدا منهم على أحد، إلا على خاصّة معلومة، ويكون الديوان كالغرض المستأنف، ويأمر لكل جند من أجناد أهل الشام بعدّة من العيال يقترعون عليها، ويسوّى بينهم فيما لم يكونوا أسوة فيه فيمن مات من عيالاتهم، ولا يضيع أحدا (٢) من المسلمين.

وأمّا ما يتخوف المتخوّفون من نزواتهم، فلعمرى لئن أخذوا بالحق- ولم يؤخذوا به- إنهم لخلقاء أن يكون لهم نزوات ونزقات (٣)، ولكنّا على مثل اليقين- بحمد الله- من أنهم لم يشركوا يذلك إلا أنفسهم، وأن الدائرة لأمير المؤمنين عليهم آخر الدهر إن شاء الله، فإنه لم يخرج الملك من قوم إلّا بقيت فيهم بقية يتوثبون بها، ثم كان ذلك التوثّب هو سبب استئصالهم وتدويخهم.

ومما يذكّر به أمير المؤمنين أمر أصحابه، فإن من أولى أمر الوالى منه بالتثبّت والتحيّر، أمر أصحابه الذين هم بهاء فنائه (٤)، وزينة مجلسه، وألسنة رعيته، والأعوان على رأيه، ومواضع كرامته، والخاصّة من عامّته، فإن أمر هذه الصّحابة قد عمل فيه من كان وليه من الوزراء (٥) والكتّاب قبل خلافة أمير المؤمنين عملا قبيحا مفرط القبح، مفسدا للحسب والأدب والسياسة، داعيا للأشرار، طاردا للأخيار، فصارت صحبة الخليط (٦) أمرا سخيفا، فطمع فيه الأوغاد، وتزهّد فيه من كان يرغب فيما دونه، حتى إذا لقينا (٧) أبا العباس- رحمة الله عليه- وكنت فى ناس من صلحاء أهل البصرة


(١) الغناء: الكفاية.
(٢) فى الأصل «ولا يصنع بأحد» وأراه محرفا.
(٣) نزوات جمع نزوة كوردة، فعلة من النزو بالسكون وهو الوثوب، ونزقات جمع نزقة كنزوة أيضا، فعلة من النزق بالكون، نزق الفرس كسمع ونصر وضرب نزقا ونزوقا: نزا أو تقدم خفة ووثب، أو من النزق بالتحريك، نزق كفرح: طاش وخف عند الغضب.
(٤) فناء الدار: ما اتسع من أمامها.
(٥) فى الأصل «الوزارة» وهو تحريف.
(٦) الخليط: الشريك والمخالط.
(٧) فى الأصل «التقينا» وهو تحريف.

<<  <  ج: ص:  >  >>