للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ووجوههم، فكنت فى عصابة منهم أبوا أن يأتوه، فمنهم من تغيّب فلم يقدم، ومنهم من هرب بعد قدومه، اختيارا للمعصية على سوء الموضع؛ لا يعتذرون فى ذلك إلا بضياع المكتب (١) والدعوة والمدخل، يقولون: هذه منزلة كان من هو أشرف من أبنائنا يرغبون فيما هو دونها عند من هو أصغر أمراء ولاتنا اليوم، ولكنها قد كانت مكرمة وحسبا، إذ الناس ينظرون ويسأل عنهم، فأما اليوم ونحن نرى فلانا وفلانا ينفر (٢) بأسمائهم- على غير قديم سلف، ولا بلاء حدث، فمن يرغب فيما هاهنا يا أمير المؤمنين- أكرمك الله-؟ أما يصير العدل كله إلى تقوى الله عزّ وجل، وإنزال الأمور منازلها، فإن الأول قال:

لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ... ولا سراة إذا جهّالهم سادوا

وقال:

هم سوّدوا نصرا، وكلّ قبيلة ... يبيّن عن أحلامها من يسودها

وإن أمر هذه الصحابة قد كان فيه أعاجيب، دخلت فيه مظالم، أمّا العجب فقد سمعنا من الناس من يقول: ما رأينا أعجوية قطّ أعجب من هذه الصحابة، ممن لا ينتهى إلى أدب ذى نباهة، ولا حسب معروف، ثم هو مسخوط الرأى، مشهور بالفجور فى أهل مصره (٣)، قد غبر عامّة دهره صانعا يعمل بيده، ولا يعتدّ مع ذلك ببلاء ولا غناء، إلا أنه مكّنه من الأمر صاغ (٤)، فاحتوى حيث أحبّ، فصار يؤذن له على الخليفة قبل كثير من أبناء المهاجرين والأنصار، وقبل قرابة أمير المؤمنين وأهل بيوتات العرب، ويجرى عليه من الرّزق الضّعف مما يجرى على كثير من بنى هاشم،


(١) يريد به منزلة الكتابة ومكانة الكاتب.
(٢) أى يذهب بها، والمعنى ترفع منازلهم وتعلى مكانتهم.
(٣) فى الأصل «فى أهل مصر» وهو تحريف.
(٤) صغا إليه كسعى وقعد وفرح: مال، أى شخص يميل إليه ويقربه.

<<  <  ج: ص:  >  >>