للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجنود، ونزور (١) الفىء، وجمود الحلب، واستكلاب (٢) العمّال على الخيانة، وجرأة الرعية على منع الحق، ومال الفراغ بكثير من الناس عن القصد (٣)، فتحركت الأهواء واستعرت نيران العصبيّة، وجاشت صدور الحسدة وأشياعهم بالأمانى، وظنوا أن لا شدّة معه، وأن عفوه لا نكير بعده، وأمير المؤمنين يرمقهم بعين بصيرة، وأذن مصيخة (٤)، وقلب يقظان، وقد وفّر الحلم أن يخفّ لأول بوادر السفهاء، فهو ينتظر بالمدبر أن يقبل، وبالمائد (٥) أن يعتدل، وبالمغلوب على رأيه أن يتذكّر فيبصر، شمّر فى إثرهم تشمير من قدّم الروية قبل العجلة، والعفو قبل العقوبة، والتثبّت قبل الإقدام، فاتخذ روابط (٦) انتجبها (٧) على الجلد والنشاط، ليست لهم سوابق تدعوهم إلى الإدلال، وتسمو بهم إلى كثير لم ينالوه، إنما همّهم أن يتفاضلوا فى النجدة، ويستوجبوا بالغناء، ثم فرّقهم على خواصّ خدمه، فإذا أراد أن يتناول بهم فرصة ممكنة، أوعدوا غارّا (٨)، أو رتق فتق قبل اتّساعه (٩)، يغمس يديه إلى أيّهم أراده، فينفذ لأمره، ولم يشركه فيه مشير، ولم يخرج به توقيع، ولم يحص فيه عامة، ولم يطّلع منه على مكيدة، فلم نعلم أننا رأينا جندا أسرع نهضة إذا أمروا، وأحسن إجابة إذا دعوا، وأفضل غناءا إذا استكفوا من جنده، ثم قصد بنفسه حتى مثل بين النواحى إلى أهمّها له فسادا فى البيضة (١٠)، وانتقاصا من الأطراف، فأتى ناحية الشأم فوطئها وطأة جمع الله بها منهم شتات الفرقة، وأخمد بها بينهم نار الفتنة.


(١) النزور: القلة.
(٢) استكلب الكلب، ضرى وتعود أكل الناس (واستكلب الرجل: نبح فى قفر لتسمعه الكلاب فتنبح فيستدل بها عليه) ويقال أيضا: تكالبوا عليه: أى تواثبوا وحرصوا عليه حتى كأنهم كلاب
(٣) القصد: الاستقامة.
(٤) من أصاخ له: أى استمع.
(٥) من ماد يميد: أى تحرك واضطرب.
(٦) أى جنودا مرابطة.
(٧) أى اختارها.
(٨) الغار: الغافل.
(٩) فى الأصل «قبل الساعة» وهو تحريف.
(١٠) البيضة: الحوزة والساحة.

<<  <  ج: ص:  >  >>