للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما يرفع عن أهل أرمينية من ضرر مئونتهم وحمطهم (١)، نفعا للرعية، وإجمالا للفىء، ورفقا بالعامة، مع اقتصاره (٢) فى «الأبواب» على أكناف سجيّتها، وفى سائر أرمينية على المقاتلة من أهلها، ولم يزل منذ أراه الله ذلك، يكفيه مئونة ذاك الثّغر، ويكفّ عنه بوائقه (٣) حتى كأنه- فى هدوء الأحداث عنه، وسكون الأفئدة من روعاته- مصر من الأمصار، واسط المحلّة، مأمون النّائرة، فلما اغتنم خاقان (٤) ما اغتنم، انتهز الفرصة مبادرا لما قد أيقن من معاجلة أمير المؤمنين إياه، فكأنه حين بلغه ذلك فى إعظامه إياه بسببه له، وما أتعب فيه من بدنه، وأسهر فيه من ليله، وأنصب (٥) فيه من نهاره- لم يعلم الذى كان يكون من أشباهه (٦) فى الأزمنة الماضية قبله- وإنه بذلك لجدّ عالم- غير أن حميّته للإسلام، وشفقته عليه، وامتعاضه من أن يتناول شىء من أطرافه، قد زاد ذلك عنده قدرا فى العظم، وتفاقما (٧) فى الخطب، حتى أكمل البعث بأكثر العدد وأكمل العدّة، واستقلّ (٨) أهل الكور والأمصار، وندب له من أهل بيته من لم يترك بعده نهاية فى التخيّر، وكان قد صرف باله إلى هذين الثغرين من الخزر والروم، وإلى هذين العدوّين المحاربين له من المارقة المتعصّبة.

فلما بلغ الله فى إحكام أمرهما ما بلغ، لم يستغن عن إعادة النظر فى أمر غيرهما من نواحيه، ليستبرئ (٩) به إرادته فى أقوام يدافع ظنونهم به فى أخرى، وعلم أن لما شمل من بمدينة السلام من الأمن والفراغ نتيجة مكروهة، فشخص عنها عند تحقيق ذلك، مؤثرا لأبغض وطنيه على أحبّهما، وأخشن عيشيه على ألينهما، فلما ظهرت له العورة


(١) حمطه كضربه: قشره، وخمطه كضربه أيضا: شواه.
(٢) فى الأصل «مع اقتصاده» وهو تحريف، وباب الأبواب: مدينة على بحر الخزر (بحر قزوين) من غربيه، والأكناف: النواحى، والسجية: الطبيعة.
(٣) البوائق: جمع بائقة، وهى: الداهية.
(٤) لقب ملك الترك.
(٥) أى أتعب.
(٦) فى الأصل «من اشتباهه».
(٧) أى شدة.
(٨) أى حمل.
(٩) استبرأه: استنقاه.

<<  <  ج: ص:  >  >>