للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قصدت بالإجابة لمسالك هذه الأودية، لبطلت الحجج الدّاحضة، وانقطعت الأقاويل المتناقضة، وسل من قبلك من أساقف أمتك، وشمامسة أهل ملّتك الذين يزعمون أن عيسى المسيح، ويرفعونه أن يكون عبدا: على أى شىء وقع اسم المسيح من عيسى:

على الرّوح، أم الجسد، أم على كليهما؟ فإن قالوا: وقع على الروح نفسه، لأن الرّوح إله دون غيره، فقد أقروا بأن إلههم يأكل ويشرب، ويمشى ويركب، لأنهم يجدون ذلك من فعل عيسى مبيّنا قبلهم، موصوفا عندهم، فإن قالوا: وقع اسم المسيح على الجسد بعينه، فكان الجسد هو المسيح إذن دون غيره، والمسيح إذن مخلوق عندهم، والإله إنسان إذن مثلهم، فلم يعبدون المخلوق، ويدعون من خلقه وبرأه؟ وإن قالوا:

وقع الاسم على الروح والجسد جميعا، فلن يجدوا مخرجا ولا بدّا ولا محيصا- إذا أوقعوا الاسم عليهما- من أن يضيفوا الأعمال إليهما، فيقولوا: إن الجسد المخلوق هو خلقهم، وإن الروح الخالقة قد ماتت قبلهم، وذلك لما يجدون من ذكر موت عيسى عليه السلام فى الكتب عندهم، وفى الإنجيل الذى قبلهم، وسل من قبلك عن الأب والابن، فقل:

أيّهما أعظم، وأيهما أصغر؟ فإن قالوا: الأب أعظم والابن أصغر، فقد جعلوهما متباينين، وإن قالوا: هما واحد وكلاهما عظيم، وليس الأب بأعظم من الابن، ولا الابن بأصغر من الأب، فقد نقض حينئذ جوابهم، وأكذب المسيح عليه السلام كلامهم، حيث يقول: «لو كنتم تحبّوننى لفرحتم حيث أذهب إلى إلهى، فإن إلهى أعظم منى (١)» فلم يقل: «أعظم منى» إلا وهو مقرّ بأنه أصغر منه، وسلهم عن قول المسيح: «أنا أذهب إلى إلهى وإلهكم (٢)» فقل: من هذا الإله الذى ذهب عيسى إليه صلى الله عليه وسلم: إله فى السماء، متباين منه، منقطع عنه؟ فهما إذن اثنان


(١) ورد فى إنجيل يوحنا (الإصحاح ١٤ آية ٢٨) من الكتاب المقدس طبع بيروت سنة ١٩٠٩ «لو كنتم تحبوننى لكنتم تفرحون لأنى قلت أمضى إلى الأب، لأن أبى أعظم منى».
(٢) ورد فى إنجيل يوحنا (الإصحاح ٢٠ آية ١٧) من الكتاب المقدس: «إنى أصعد إلى أبى وأبيكم وإلهى وإلهكم».

<<  <  ج: ص:  >  >>