للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

متباينان، أم إله كان به متصلا، وكانا جميعا واحدا؟ فكيف إذن يجوز له أن يقول أذهب إليه»؟ إلا أن يقولوا: إنّ بعضه ذهب إلى بعض! وهذا مما لا يجوز عندهم فى صفة الربّ عزّ وجل.

وسل من قبلك: أخرج المسيح من بطن أمه مريم بكماله، حتى كان البطن منه فارغا، وكان هو منه بكماله خارجا؟ فإن قالوا: نعم، فقد انكسر قولهم: إن الله بكل مكان، وإن قالوا: لم يخرج المسيح، ولم يخل البطن، فقد كذبوا إذن فى قولهم:

إنه قد خرج، وأقرّوا أنه قد ولد، فتعالى الله عما يصفون، وتنزّه عما يشركون.

وسلهم: لم هبط عيسى إلى بطن مريم، وتجسّد باللحم والدم؟ فإن قالوا: ليمحق الخطايا من الأرض، ويربط الشيطان عن الخلق، فقل: كيف إذن لم يربطه عن نفسه؟ وكيف جلاباه (١) من اليهود بصلبه؟ ولم سلّط على أهل دينه يتّبعون فى كل شعب (٢)، ويقتلون بكل واد؟

وقل للذين يقولون: إن الخالق فى كل مكان من السماء والأرض وغير ذلك:

أيّهما أعظم: المحيط المشتمل أم المحاط المشتمل عليه كما يقولون؟ تعالى الله عما يشركون؟

فإن قالوا: إنما التحم بعضه دون بعض، فقد حدّوا وبعّضوا ونقصوا، وإمّا قالوا، فلن يجدوا بدّا من أن يقولوا: إن بعض المسيح الذى جعلوه ربّهم، وهو إله عندهم، ميت بعضه جيفة، وإن بعضه حىّ طيب، لأنهم زعموا أنه التحم بجسد حى فيه روح، فلا بدّ إذن أن يدخل عليه ما يدخل على الأجسام الحيّة من الخوف والفزع والفرح والعطش وأشباه ذلك، وهو عندهم كفر عظيم، وإفك مبين، فاتّق عقوبة الله ربّك ولا تمش مكبّا على وجهك، ولكن اطلب والتمس وابحث، فقد قال عيسى عليه السلام فى الإنجيل: «من سأل أعطى، ومن طلب وجد، ومن استفتح فتح له» (٣).


(١) كذا بالأصل.
(٢) الشعب: الطريق فى الجبل.
(٣) ورد فى إنجيل متى (الإصحاح ٥ آية ٤٢) من الكتاب المقدس: «من سألك فأعطه، ومن أراد أن يقترض منك فلا ترده» وورد فى إنجيل لوقا (الإصحاح ١١ آية ١٠ من الكتاب المقدس) «من يسأل يأخذ، ومن يطلب يجد، ومن يقرع يفتح له».

<<  <  ج: ص:  >  >>