للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتفسير هذا أن الله عز وجل أنزل التوراة على موسى فى طور سيناء، وأنزل الإنجيل على عيسى عليه السلام فى جبل ساعير، وهو جبل بالشام، وأنزل القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم فى جبال فاران، وهى بلاد مكة، وأنتم تجدون ذلك فى كتبكم مكرّرا، وتعرفونه جميعا بلغتكم.

ومن ذلك قول الله عز وجل لموسى عليه السلام: «سأقيم لهم من إخوتهم مثلك أجعل كلامى على فمه، ولا يتكلم إلا بما آمره به (١)» فمن إخوة بنى إسرائيل إلا بنو إسمعيل؟ أما تعلم أن لو كان الله عز وجل يعنى أحدا منهم لقال لهم: أقيم لكم نبيا منكم!

فإن قلتم: إنما قال من إخوتكم، وهو يريد من أنفسكم، فهب أمير المؤمنين قبل هذا الخلف منكم، ووسّع فى هذا المجال لكم، فكيف تصنعون بقول الله عز وجل فى التوراة: «مثل موسى فى بنى إسرائيل لا يقوم» فهل تجدون من هذا مخرجا، ومن الإيمان أنّ المعنى وقع على محمد صلى الله عليه وسلم بدّا؟ ألا تسمع قول الله عز وجل؟ «أجعل كلامى على فمه كى يعنى به، أمّىّ لا يقرأ ولا يكتب».

أو ليس قد أمر عيسى عليه السلام حواريّيه أن يقولوا فى صلواتهم: «يا أبانا الذى فى السموات تقدّس اسمك (٢)» كيف صار عيسى دونهم ابنا، وصار دونه أبا وهم يقولون:

«يا أبانا»؟ أم كيف لم يجعل سليمان بن داود إلها، وقد قال الله عز وجل لداود:

«يولد لك غلام يسمّى لى وأسمّى له»؟ ولم لا يجعلون إسرائيل إلها وقد قال الله عز وجلّ له: «أنت بكرى» بل لم لا يسمّون المؤمنين عامة والحواريّين خاصّة آلهة، وقد قال المسيح للحواريّين: «أنتم إخوتى» وقد قال فى الإنجيل: «أعط كل من آمن بى سلطانا


(١) ورد فى سفر التنية (الإصحاح ١٨ آية ١٥) من الكتاب المقدس: «يقيم لك الرب إلهك نبيا من وسطك من إخوتك مثلى له تسمعون».
(٢) ورد فى إنجيل متى (الإصحاح ٦ آية ٩) من الكتاب المقدس: «فصلوا أنتم هكذا: أبانا الذى فى السموات، ليتقدس اسمك».

<<  <  ج: ص:  >  >>