للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يدعى له» وإن كان هؤلاء كلهم للمسيح إخوة، أفلا تجعلونهم كلّهم آلهة؟ وكيف يقولون: إن عيسى ابن الله وهو يقول فى مواضع جمة، وأماكن كثيرة، إنه ابن الإنسان؟

فكيف يكون ابن الإنسان ابن الله؟ ومتى كان ذلك؟ لئن قالوا: إن عيسى لم يزل ابن الإنسان، لقد جعلوا مع الله إنسانا، وجعلوا الله إنسانا حديثا، وجعلوا المسيح ابن الله لم يزل، وابن الإنسان فيما حدث! وهذه أمور متناقضة، وججج داحضة، وأقاويل فاحشة.

فإن قالوا: إنما نعبد المسيح لأنه رفع إلى السماء، فليعبدوا الملائكة، فإنهم فى السماء قبله، وإدريس، فقد رفعه الله وغيره، وإن كانوا يعبدون المسيح لأنه لم يخلق من ذكر. فآدم وحوّاء لم يخلقا من ذكر ولا أنثى، ولم يقعا من غمّ (١) الرحم، وضيق البطن، وحال الصّبا، فيما وقع فيه المسيح، وإن قالوا: إنما نعبد عيسى لأنه أحيا الموتى فما أحيا حزقيل (٢) أكثر، وما كان من اليسع تلميذ إلياس أعجب، لأنه أحيا الموتى بعد مئين من السّنين، وإن طلبتم ذلك فى سير الملوك عند قصة اليسع أصبتموه إن شاء الله، وإن كانوا إنما يعبدون المسيح من أجل الأسقام التى أبرأ، والعجائب التى أرى، فعجائب موسى أعجب، وآياته أعظم، أين ما ذكرت لك من عجائب عيسى، من عجائب موسى: من انقلاب البحر له، وسلوك الجيش معه؟ أم أين ذلك من حجر


(١) أى ستره.
(٢) جاء فى كتب التفسير عند تفسير قوله تعالى فى القرآن الكريم:
«أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ».
قيل: هم قوم من بنى إسرائيل وهم أهل داوردان- قرية قبل واسط- وكان وقع فيها طاعون فخرجوا هاربين فأماتهم الله ثم أحياهم، ليعتبروا ويتيقنوا أن لا مفر من قضاء الله تعالى وقدره، مر عليهم حزقيل عليه السلام- أحد أنبياء بنى إسرائيل- وقد عريت عظامهم، وتفرقت أو صالهم، فتعجب من ذلك، فأوحى الله تعالى إليه: ناد فيهم أن قوموا بإذن الله تعالى، فنادى، فقاموا يقولون: سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت، وقيل: هم قوم من بنى إسرائيل دعاهم ملكهم إلى الجهاد، ففروا حذر الموت فأماتهم الله ثمانية أيام ثم أحياهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>