للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تناول ثمارهم وقوام معاشهم، مثل ما كانوا يبلغون، ولا ينالون من خفض العيش وطيب الأمن، ولذّة الدّعة، قريبا مما كانوا ينالون.

ومنها: أن إخوان التجارات وأصحاب الأموال وأهل الظّلف والحافر (١)، كانوا يتناولون ما شارفهم من بلادنا، وما قاربهم من أسواقنا، فينفّقون تجاراتهم، ويغلون بضائعهم، فتعظم الأرباح وتضعّف الأثمان، وكانت الباعة من تجار المسلمين وغيرهم من الذّمّيين يتناولونهم للبيع لهم، ويتناولونهم للشراء منهم، فعمّت البركة، وسهلت المنفعة، حتى نالت الرّعاء فى جبالها واقبالها؟ ؟ ؟ (٢)، والنساء فى غزولهنّ وعمل أيديهن فضلا عن غيرهن.

ومنها: أنك ومن قبلك من ذوى العبادة والزّهادة والتألّه والنّسك والنّيّات، كنتم على عافية من أيام الرضا بالحرب، وسلامة من أوزار الحضّ على قتال الخوف، قد نجوتم من معصية المسيح فى الدنيا التى نهاكم عنها، والأمور التى أمركم بها، من نحو قوله: «من لطم خدّك الأيمن فأمكنه من الأيسر، ومن انتزع قميصك فأعطه كساءك، ومن لطمك فاغفر له، ومن شتمك فأعرض عنه» (٣).

ومنها: أن من بأقاصى بلادك ونواحى حوزتك، قد ذاقوا تلك الأيام من لذة الخفض، ودعة الحال، وحلاوة الأمن، ورفاهية العيش، وسعة العافية، من سباء أزواجهم، وهيض (٤) أولادهم، وحطم معاشهم، وأسر رجالهم، وغنيمة بقرهم وغنمهم، وإفساد شجرهم وثمارهم، وإجلاء عن مساكنهم وأوطانهم، ما لم يكن لهم رأى يعرفه، ولا ظنّ يبلغه، ولا طمع يقاربه، ولا أمل يذهب إليه، وما قد عرفت


(١) الظلف للبقرة والشاة: بمنزلة القدم لنا.
(٢) كذا بالأصل.
(٣) ورد فى إنجيل متى (الإصحاح ٥ آية ٣٩ - ٤١) من الكتاب المقدس: «وأما أنا فأقول لكم لا تقاوموا الشر، بل من لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر أيضا، ومن أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك فاترك له الرداء أيضا، ومن سخرك معه ميلا واحدا فاذهب معه اثنين».
(٤) من هاض العظم يهيضه: إذا كسره بعد الجبور، والحطم: الكسر.

<<  <  ج: ص:  >  >>