للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخاصّة من بطارقتكم، والعامة من أهل ملتكم به: من رأفتكم بهم، ورحمتكم لهم، وشفقتكم عليهم، وأثرتكم إياهم، وبركة ولايتكم ملكهم، ومنفعة سياستكم أمرهم، ما قد ازدادوا لكم به محبّة، وفى بقائكم رغبة، ولأمركم طاعة، وعلى ملككم شفقة، وفيما نابكم نصيحة، مع ما قد ازددتم بذلك من الهيبة فى صدور الأعداء، والشّرف فى قلوب النّظراء، والعظم فى عيون الأمم، حتى أقرّوا لكم بقوّة عزائم العقول، وفضل سياسة الأمور، وصحّة تدبير الملك، وصدق النيّة، ولطف الحيلة التى جعلوا نسبة عملكم بها، ومحلّ رأيكم فيها، على أنكم نظرتم لضعفائكم حتى قووا، ولفقرائكم حتى استغنوا، ولقرّانكم حتى بينوا وحيوا وقووا المسلمين (١) من أيام الحروب، وأوزار القتال، ومعصية المسيح عليه السلام، ولأعدائكم الأبعدين، وجيرتكم الأقربين، حتى كنتم من فراغكم لهم، واشتغالكم من أمركم بها ما أوطأتموه لحر؟ ؟ ؟ (٢) القتل، وذلّ الأسر، وغلبة القهر، والإذعان والاستسلام، وإمّا كفيتموهم بالصلح، واستوثقتم منهم بالرهن.

فإذا ذكرت ما كان من هذه وأشباهه وأمثاله فى الفدية، فاعلموا أن أمثاله وأضعافه مقيم معكم فى الجزية، فلا يكوننّ لك رأى غيرها، ولا أمير سواها، فلقد أكثر أمير المؤمنين العجب من أمركم، وأطال تقليب الفكرة فى بعضكم، فظن أن إخراجكم من جميع ما كنتم فيه إلى خلافه، مما أصبحتم عليه من انتظار وقعات الحروب وصولات الجنود، وأكل الحدود، وتوقّع الجلاء والسّباء والقتل، والأسر والحصر، شيئا اختدعكم الله عز وجل فيه عن أنفسكم، وكيدا استدرككم به لما علم من قلوبكم.

ألا إنّ أعجب عذركم وأفظعه كان عند أمير المؤمنين، إذ بلغه جرأتكم على الله عز وجل فى نقض عهده، واستخفافكم بحقّه فى خفر (٣) ذمته، وتهاونكم بما كان


(١) كذا بالأصل.
(٢) كذا بالأصل.
(٣) أى نقض.

<<  <  ج: ص:  >  >>