للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منكم، وأنتم تعلمون أن مواثيق العهود ونذور الأيمان الذى وضعه الله عزّ وجل حرما بين ظهرانى خلقه، وأمانا أفاضه فى عباده، لتسكن إليه نفوسهم، وتطمئن به قلوبهم، وليتعاملوا به فيما بينهم، ويقيموا به من دنياهم ودينهم، فما من ملك من الملوك، ولا أمة من الأمم، تبيح حمى الله عز وجل، تهاونا به وجرأة عليه، إلا أجرى الله عليهم دائرة (١) من دول الأعداء، وأنزل عليهم عذابا من السماء، وقد رجا أمير المؤمنين أن يجرى الله نقمته منكم بأيدى المسلمين، بعد إذ كان اعتقد عهدكم وأخذ ميثاقكم بالأيمان الملغلّظة، والعهود المؤكدة، التى قد اعتقدها فى رقابكم، وحملها على ظهوركم، فأشهدتم الله بها على أنفسكم، وتسامع بها من حولكم، وحكم بها بطارقتكم وأساقفتسكم، فلا الله اتّقيتم، ولا من الناس استحييتم، نكثا للعهد، وبغضا للمسلمين، وخترا (٢) بالأمانة، وإباحة للحمى، فتوقّعوا العقوبة، وانتظروا الغيب، فلقد وثق أمير المؤمنين أن من عذاب الله ما هو حالّ إن شاء الله بكم.

ومن أسباب ما يريد الله من الانتقام منكم، ما قد أزمع أمير المؤمنين وعزم عليه، وقذف الله فى قلبه: من الإرادة والنية والرغبة فى إيطاء الجيوش بلادكم، واستباء المقاتلة أرضكم، والتفرّغ لكم من كل شغل، والإيثار لجهادكم على كل عمل، حتى تؤمنوا بالله وأنتم طائعون أو كارهون، وتؤدّوا الجزية عن يد (٣) وأنتم صاغرون، فكونوا على عدّة من الجزية، ويقين من الانتجاع الذى لا طاقة لكم إن شاء الله به، ولا صبر لكم بإذن الله عليه، فإن جنود أمير المؤمنين فارغة كثيرة، وخزائنه عامرة وافرة، ونفسه سخيّة بالإنفاق، ويده مطلقة بالبذل، والمسلمون نشاط إليكم، منقلبون عليكم، قد عوّدهم الله فى لقائكم عادة يرجون انتظار مثلها، وأبلاهم فى قتالكم بلاء من أمثالها، إن شاء الله.


(١) الدائرة: الهزيمة.
(٢) الختر: الغدر والخديعة، أو أقبح الغدر.
(٣) انظر الجزء الأول ص ٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>