للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تبعته تواليه، وشفعته لواحقه، ووجد العدوّ الملاحظ مكان العورة، مطمعا فى إهمال ما كان يعدّ له من الغرّة، ويتوفّق به من مناهزة الفرصة.

وليكن ما تفيضون فيه وتعدّونه ظهيرا على طاعن إن طعن فى دولتكم، ما ألهم الله أمير المؤمنين من شمول رعيّته بالعدل، وفرش (١) الأمر فى مضمراتها ومنقلبها، ورفع به عنهم من سير الجود (٢)، وبسط به يده من إثابة أهل البلاء، وتغمّد (٣) الجرائم لأولى الزّلل، والإبلاغ فى دعاء من عاند وشاقّ إلى التوبة والإنابة، وإقالة العثرة بعد القدرة، والحقن لمباح الدماء، فلم تعلموه صبر محلّا (٤) ولا هتك لأحد ممن أظفره الله به سترا، ولا وقفه على عورة. ثم تولّى الله أمير المؤمنين فى حروبه شرقا وغربا، التى أغناه الله عن الإطناب فى وصف صنع الله لكم فيها، لاستفاضة أخبارها فى دهمائكم (٥)، مع ما أحبّ من مطالعته إياكم ببالغ أدبه، وشافى عطفه، أن يتنكب (٦) عن الإسهاب، فى غير ما صمد (٧) له، ورأى من تقريع أسماعكم وأذهانكم، لوعى ما التمس أن تعوه، من تبصيركم حظّكم، وتنبيهكم على رشدكم، وحسب أمير المؤمنين فى نفسه وفيكم الله، وكفى به مبينا.

وإن أمير المؤمنين- مع ما تقدّم به إليكم- لعلى ثقة من حياطة الله خلافته التى جعلها عزا لدينه، وقواما لخلقه، وأنه ليس بها ممن أدبر عن حقها اختلال، بل من خلع ربقتها وأضاع حظّه منها، جلب الخلّة (٨) والحاجة وحسران الدنيا والآخرة، وإنما أتى المقصّرون فى إعظام حقها، من ضعف الرويّة عن بلوغ ما تفضى بهم إليه مصادر


(١) فرشه أمرا: اوسعه إياه.
(٢) أى من الجود السائر الشامل.
(٣) تغمده: ستره.
(٤) صبر الإنسان على القتل: أن يحبس ويرمى حتى يموت، وقد قتله صبرا وصبره عليه، والمحل الخارج من الميثاق والبيعة انظر شرحه بتوسع فى الجزء الأول ص ٤٠٣ - وفى الأصل «محملا» وهو تحريف.
(٥) الدهماء: جماعة الناس.
(٦) تنكب عنه: عدل.
(٧) صمد كنصر: قصد.
(٨) الخلة: الفاقة والحاجة.

<<  <  ج: ص:  >  >>