للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فى التعلم والدراية، والتقلّد والفقه، إلا سلّطنا عليها بسلطان الله (١) الذى آتاه، علّمنا الفضائل، ثم فضّلنا بها! غلب لنا الأمم، ثم خوّلناها (٢)، علّمنا طرائق الشرف، ثم شرّفنا بها، أخبرنا عن الأنباء فكفانا مؤنة التماسها، وأغنانا بما عنده فيها، أخذ على أيدينا الخير للرعية فوهب لنا شكرها، وصدّق مقالتنا عند الشّبهة، وأنفذ أمرنا فى التدبير.

فيأيّها الإمام المنصور المهدىّ الرشيد: حزت فضائل الآباء، واهتديت بهدى الأنبياء، أنشكرك عن الإسلام؟ فأنت القائم به، الداعى له، والناصر لحقه، أم نشكرك عن الأمصار؟ فأنت المفتتح لممتنعها عنوة (٣)، والمتطوّل على أهلها بالرحمة، والمنعطف عليهم بحسن الفائدة، بعد ما هيّجت منك سورة (٤) الغضب، فأطفأت نارها، وأخمدت لهبها، وعدت على من سفه وأضاع حظّه، أم نشكرك على المساجد؟ فأنت الذى أسّستها على التقوى، وعمرتها بتلاوة القرآن، وطهّرت المنابر وركبتها، تعلوها صائما، وتنطق عليها صادقا، وتدعو إلى الرّشد عليها ناصحا، وتختم القرآن قبل أن تبدأها محسنا، وتتلو من قوارعه (٥) ما تصيخ له الأسماع، وتلين به القلوب، أم نشكرك على البيت العتيق، والرّكن والمقام والحجر وزمزم، ومشاعر الحج (٦)؟ وأنت ذببت عنها، وأعدت إليها عهدها فى مبعث نبيها صلى الله عليه وسلم، فأمّنت النازع (٧) إليها من كل فجّ عميق، والحالّين بها من الركع السّجود،


(١) فى الأصل «فلم يدع غاية التعليم والدراية سلطانا بسلطان الله الذى آتاه فلم يدع غاية فى التقلد والفقه، علمنا الفضائل ... ».
(٢) خوله الله المال: أعطاه إياه متفضلا.
(٣) العنوة: القهر.
(٤) أى حدته.
(٥) أى من آياته الشديدة القرع، وأصاخ له: استمع.
(٦) مشاعر الحج: معالمه التى ندب الله إليها وأمر بالقيام بها، جمع مشعر كمذهب.
(٧) نزع إليه كضرب: اشتاق، والفج: الطريق الواسع.

<<  <  ج: ص:  >  >>