للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أم نشكرك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما حظفت فيه من عترته (١)؟ بعفوك عن مجرمهم، ومضاعفتك ثواب محسنهم، وإحيائك من أمرهم، ما كان قد اندرس وانطمس، معدّا للقاء نبى الله صلى الله عليه وسلم، وقد رعيت منه فى قرابته وقرابتك وذوى رحمه ورحمك ما ضيّع الناس، ووصلت منهم ما كان وصله. إذ كان الله عز وجل قد فرض صلة الأرحام، فكان أطوع خلق الله عز وجل فيما فرض عليه، أم نشكرك عن العوامّ؟ فقد ألبست المسلمين ثوب الأمن، وأذقتهم طعم السّعة والرّفاغة (٢)، وعدلت بينهم بالإنصاف، وتولّيت دونهم النّصب، وآثرتهم بالرّاحة، أم نشكرك عن الملوك والقواد والأجناد؟ فأنت الذى رفعت منازلهم، ووفّرت عددهم، فلم يكونوا فى دهر أحد من الخلفاء أسعد ولا أحظى منهم فى سلطانك، بما بذلت لهم من المعاون، وولّيتهم من الثغور والأمصار، وأدررت عليهم من الأرزاق والخواصّ، أم نشكرك عن الأحكام والسنن؟ فأنت الذى أنهجت (٣) سبيلها، فأوجبت فرضها، ونافست فى أهلها، أم نشكرك عن الأعداء؟ فأنت الذى بدأتهم بالحجّة، ودعوتهم إلى الفيئة (٤) والإنابة، ثم ثنّيت معقّبا بالعفو، ونعشتهم بعد البؤس، وآنستهم من الوحشة، أم نشكرك على مكارم الأخلاق؟ فأنت الذى ثبّتّ وطاءها (٥)، ونفيت عنها أضدادها، ولو نطقت بالفضل لنطقت بشكرك فى إزالتك إياها عن اللئام، وإخطائك من اعتزى (٦) (منهم) إليها، أم نشكرك عن الثغور؟ فأنت الذى تمّمتها وحصّنت عوراتها (٧)، أم نشكرك عن السّلف؟ فأنت الذى أشدت بفعالهم، وحفظتهم فى أبنائهم، أم نشكرك عن برد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن القضيب الذى (كان) يتخصّر (٨)، حتى جعلتهما زينتك، وسموت بهما فى أعيادك


(١) العترة: نسل الرجل ورهطه وعشيرته الأدنون.
(٢) الرفاغة: الرفاهية.
(٣) أى أوضحت.
(٤) الفيئة: الرجوع.
(٥) فى الأصل «وطأتها».
(٦) أى انتسب.
(٧) فى الأصل «عذراتها».
(٨) أى يمسكه بيده.

<<  <  ج: ص:  >  >>