للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد جبر الأحنف يدعنز وأمر بذلك النعمان (١)، وقال عمر: «من أكل بيضة فقد أكل دجاجة»، ولبس سالم (٢) بن عبد الله جلد أضحية، وقال رجل لبعض السادة: أريد أن أهدى إليك دجاجة، فقال: إن كان لا بدّ فاجعلها بيوضا، وعدّ أبو الدّرداء العراق (٣) جزر البهيمة.

وعبتمونى حين قلت: لا يغترّنّ أحدكم بطول عمره، وتقوّس ظهره، ورقّة عظمه، وهن قوّته، وأن يرى نحوه أكثر ذريته فيدعوه ذلك إلى إخراج ماله من يديه، وتحويله إلى ملك غيره، وإلى تحكيم السّرف فيه، وتسليط الشهوات عليه، فلعلّه أن يكون معمّرا، وهو لا يدرى، وممدودا له فى السّنّ وهو لا يشعر، ولعلّه أن يرزق الولد على اليأس، أو يحدث عليه بعض مخبّآت الدهور، مما لا يخطر على البال ولا تدركه العقول، فيستردّه ممن لا يردّه، ويظهر الشكوى إلى من لا يرحمه، أضعف ما كان عن الطلب، وأقبح ما يكون، به الكسب (٤)، فعبتمونى بذلك، وقد قال عمرو بن العاص: «اعمل لدنياك عمل من يعيش أبدا، واعمل لآخرتك عمل من يموت غدا».

وعبتمونى حين زعمت أن السرف والتبذير: إلى مال القمار، ومال الميراث، وإلى مال الالتقاط، وحباء (٥) الملوك، أسرع، وأن الحفظ إلى المال المكتسب، والغنى المجتلب، وإلى ما لا يعرض فيه لذهاب الدين، واهتضام العرض، ونصب البدن واهتمام القلب، أسرع، وإن من لم يحسب ذهاب نفقته لم يحسب دخله، ومن لم


(١) أى أبو حنيفة النعمان بن ثابت، وفى العقد «وأمر مالك بن أنس بفرك النعل».
(٢) هو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب.
(٣) قدمنا كلمة عن أبى الدرداء فى الجزء الأول، والعراق كعراب: العظام إذا جردت من اللحم، والجزر بالتحريك: الشياه السمينة، الواحدة جزرة.
(٤) وفى العقد «أصعب ما كان عليه الطلب، وأقبح ما كان به أن يطلب».
(٥) الحباء: العطاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>