للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يحسب الدّخل فقد أضاع الأصل، وإن من لم يعرف للغنى قدره، فقد أوذن بالفقر، وطاب نفسا بالذّل.

وعبتمونى بأن قلت: إن كسب الحلال يضمن الإنفاق فى الحلال. وإن الخبيث ينزع إلى الخبيث، وإن الطيّب يدعو إلى الطيب، وإن الإنفاق فى الهوى حجاب دون الحقوق، وإن الإنفاق فى الحقوق حجاب دون الهوى (١)، فعبتم علىّ هذا القول، وقد قال معاوية: «لم أر تبذيرا قطّ إلا وإلى جانبه حقّ مضيّع» وقد قال الحسن:

«إذا أردتم أن تعرفوا من أين أصاب الرجل ما له، فانظروا فى أى شىء ينفقه؟ فإن الخبيث إنما ينفق فى السّرف».

وقلت لكم: بالشفقة منى عليكم، وبحسن النظر منى لكم، وبحفظكم لآبائكم، ولما يجب فى جواركم، وفى ممالحتكم (٢)، وملابستكم، وأنتم فى دار الآفات، والجوائح (٣) غير مأمونات، فإن أحاطت بمال أحدكم آفة لم يرجع إلى بقيّة، فأحرزوا (٤) النعمة باختلاف الأمكنة، فإن البليّة لا تجرى فى الجميع إلا بموت الجميع، وقد قال عمر رضى الله عنه فى العبد والأمة والشاة والبعير، وفى الشىء الحقير اليسير:

«فرّقوا بين المنايا، واجعلوا الرأس رأسين (٥)» وقال ابن سيرين (٦) لبعض البحريين:

كيف تصنعون بأموالكم؟ قالوا: نفرّقها فى السفن، فإن عطب بعض سلم بعض،


(١) وفى العقد «وإن الإنفاق فى الهوى حجاب دون الهوى» وعليه فكلمة الهوى الثانية محرفة وصوابها «الهدى».
(٢) الممالحة: المواكلة.
(٣) الجوائح جمع جاثحة، وهى الشدة المهلكة.
(٤) أى حصنوها.
(٥) أى فرقوا غنمكم فى أماكن مختلفة حتى إذا اخترمت المنية بعضها لسبب ما كان الباقى بمعزل ومنجاة، أو معناه اعملوا على تنميتها حتى يتضاعف عددها.
(٦) هو محمد بن سيرين أحد فقهاء أهل البصرة، وكان معروفا بالورع، وهو صاحب الحسن البصرى، وتوفى سنة ١١٠ هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>