للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مع الأمر الذى أعدّه الله له وآثره به، ورأى أن شيئا لا يفى بقوام الذين، وصلاح الأمر.

فلما أفضى الله إلى أمير المؤمنين بخلافته، وأطلق الأمر فى يده لم يكن شىء أحبّ إليه، ولا آخذ بقلبه، من المعاجلة للكافر وكفرته، فأعزّه الله، وأعانه الله، فله الحمد على ذلك وتيسّره، فأعدّ من أمواله أخطرها، ومن قوّاد جيشه أعلمهم بالحرب، وأنهضهم بالمعضلات، ومن أوليائه وأبناء دعوته ودعوة آبائه- صلوات الله عليهم- أحسنهم طاعة، وأشدّهم نكاية، وأكثرهم عدّة، ثم أتبع الأموال بالأموال، والرجال بالرجال، من خاصّة مواليه وعدد غلمانه، وقبل ذلك ما اتّكل عليه من صنع الله جل وعز، ووجّه إليه من رعيته. فكيف رأى الكافر اللّعين وأصحابه الملاعين؟ ألم يكذب الله ظنونهم، ويشف صدور أوليائه منهم؟ يقتلونهم كيف شاءوا فى كل موطن ومعترك، ما دامت عند أنفسهم مقاومة.

فلما ذلّوا وقلّوا، وكرهوا الموت، صاروا لا يتراءون إلا فى رءوس الجبال، ومضايق الطّرق، وخلف الأودية، ومن وراء الأنهار، وحيث لا تنالهم الخيل، حصنا للمطاولة، وانتظارا للدوائر، فكادهم الله عند ذلك، وهو خير الكائدين، واستدرجهم حتى جمعهم إلى حصنه معتصمين فيه عند أنفسهم، فجعلوا اعتصامهم لحين (١) لهم، وصنع لأوليائه، وإحاطة منه به تبارك وتعالى، فجمعهم وحصرهم لكيلا تبقى منهم بقية، ولا ترجى لهم عاقبة، ولا يكون الدين إلا لله، ولا العاقبة إلا لأوليائه، ولا التعس والنّكس إلّا لمن خذله.

فلما حصرهم الله، وحبسهم عليهم، ودانتهم (٢) مصارعهم، سلّطهم الله عليهم كيد واحدة، يختطفونهم بسيوفهم، وينتظمونهم (٣) برماحهم، فلا يجدون


(١) الحين: الهلاك.
(٢) دانتهم: أى قاربتهم.
(٣) انتظمه بالرمح: أختله.

<<  <  ج: ص:  >  >>