للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حكمهم، وسواء قتل نفسه بيده، أو أسلمها إلى عدوه، وخيّر فيها من لا يبرد غليله إلا بشرب دمه، فأحسبوا قتله ليس بكفر، وإباحة المدينة وهتك الحرمة ليس بحجّة، كيف تقولون فى رمى الكعبة، وهدم البيت الحرام، وقبلة المسلمين؟ فإن قلتم ليس ذلك أرادوا، بل إنما أرادوا المتحرّز به (١)، والمتحصّن بحيطانه، أفما كان فى حق البيت وحريمه أن يحصروه فيه، إلى أن يعطى بيده؟ وأى شىء بقى من رجل قد أخذت عليه الأرض إلا موضع قدمه؟ واحسبوا ما رووا عليه من الأشعار، التى قولها شرك، والتمثّل بها كفر، شيئا مصنوعا، كيف تصنع بنقر القضيب بين ثنيّتى الحسين (٢) عليه السلام، وحمل بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم حواسر على الأقتاب العارية (٣)، والإبل الصعاب، والكشف عن عورة على بن الحسين عند الشك فى بلوغه:

على أنهم إن وجدوه وقد أنبت (٤) قتلوه، وإن لم يكن أنبت حملوه، كما يصنع


(١) هو عبد الله بن الزبير.
(٢) وذلك أنه لما وجه عبيد الله بن زياد آل الحسين عليه السلام إلى يزيد بدمشق، ومثلوا بين يديه، أمر برأس الحسين فأبرز فى طست، فجعل ينكت ثناياه بقضيب فى يده، ويقول:
* ليت أشياخى ببدر شهدوا .. * الأبيات.
(٣) حواسر. جمع حاسر، وكل مكشوفة الرأس والذراعين حاسر. الأقتاب: جمع قتب بالتحريك، وهو الإكاف الصغير على قدر سنام البعير.
(٤) أنبت الغلام: نبتت عانته، جاء فى تاريخ الطبرى ٦: ٢٦٣.
«أنه لما عرض على بن الحسين على عبيد الله بن زياد، قال له: ما اسمك؟ قال: أنا على بن الحسين قال: أو لم يقتل الله على بن الحسين؟ فسكت، فقال له ابن زياد: ما لك لا تتكلم؟ قال: قد كان لى أخ يقال له أيضا على فقتله الناس، قال: إن الله قد قتله، فسكت على؛ فقال له: مالك لا تتكلم؟ قال:
«اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها» «وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ» قال: أنت والله منهم ويحك! انظروا هل أدرك؟ والله إنى لأحسبه رجلا، فكشف عنه مرى بن معاذ الأحمرى، فقال: نعم قد أدرك، فقال: اقتله، فقال على بن الحسين: من توكل بهؤلاء النسوة؟
وتعلقت به زينب عمته، فقالت: يا بن زياد. حسبك منا، أما رويت من دمائنا؟ وهل أبقيت منا أحدا؟ فاعتقته فقالت. أسألك بالله إن كنت مؤمنا إن قتلته لما قتلتنى معه، وناداه على فقال: يا بن زياد، إن كانت بينك وبينهم قرابة فابعث معهن رجلا تقيا يصحبهن يصحبة الإسلام، فنظر إليها ساعة، ثم نظر إلى القوم، فقال: عجبا للرحم! والله إنى لأظنها ودت لو أنى قتلته أنى قتلتها معه، دعوا الغلام، انطلق مع نسائك».

<<  <  ج: ص:  >  >>