للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البخل شديد الحبّ للذّكر، ويكون بخله أوشج، ولؤمه أقبح، فينفق أمواله، ويتلف خزائنه، ولم يخرج كفافا (١) ولم ينج سليما، كأنك لم تر بخيلا مخدوعا (٢)، وبخيلا مضعوفا (٣)، وبخيلا مضياعا، وبخيلا نفّاجا (٤)، وبخيلا ذهب ما له فى البناء، وبخيلا ذهب ماله فى الكيمياء (٥)، وبخيلا أنفق ما له فى طمع كاذب، وعلى أمل خائب، وفى طلب الولايات، والدخول فى القبالات (٦)، وكانت فتنته بما يؤمّل من الإمرة، فوق فتنته بما قد حواه من الذهب والفضة، قد رأيناه ينفق على مائدته وفاكهته ألف درهم فى كل يوم، وعنده فى كل يوم عرس (٧)، ولأن يطعن طاعن فى الإسلام أهون عليه من أن يطعن طاعن فى الرغيف الثانى، ولشقّ عصا الدين أهون عليه من شقّ رغيف، لا يعدّ الثّلمة (٨) فى عرضه ثلمة، ويعدّها فى ثريدته من أعظم الثّلم، وإنما صارت الآفات إلى أموال البخلاء أسرع، والجوائح عليهم أكلب (٩)، لأنهم أقلّ توكّلا، وأسوأ بالله ظنا. والجواد إما أن يكون متوكلا، وإما أن يكون أحسن بالله ظنا، وهو على كل حال بالمتوكّل أشبه، وإلى ما أشبه أنزع (١٠)، وكيفما دار أمره، ورجعت الحال (١١) به، فليس ممن يتّكل على حزمه، ويلجأ إلى كيسه،


(١) الأصل فى معنى الكفاف ما يكف عن سؤال الناس ويغتى، ومعنى لم يخرج كفافا هنا:
لم يخرج خاليا من الذم.
(٢) يتخيل الكاتب أن المخاطب منكر دعواه لما فيها من الغرابة فهو يتجه إليه قائلا: كأنك لم تر بخيلا مخدوعا الخ.
(٣) المضعوف: ضعيف الرأى.
(٤) النفاج: المدعى المتباهى بما ليس فيه.
(٥) الكيمياء فى زعمهم تحويل المعادن الخسيسة بالصناعة إلى معادن نفيسة.
(٦) القبالة: اسم لما يلتزمه الإنسان من عمل ودين ونحوهما، والقبيل: الكفيل والضامن، وقد قبل به كنصر وسمع وضرب.
(٧) العرس: من معانيه الوليمة.
(٨) الثلمة: الشق.
(٩) أشد.
(١٠) أميل.
(١١) تشابهت الحوادث عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>