للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولهم يجمعون، لما جمع الخصيان الأموال، ولما كنز الرّهبان الكنوز، ولاستراح العاقر من ذلّ الرغبة، ولسلم العقيم من كدّ الحرص، وكيف ونحن نجده بعد أن يموت ابنه الذى كان يعتلّ به، والذى من أجله كان يجمع، على حاله (١) فى الطّلب والحرص، وعلى مثل ما كان عليه من الجمع والمنع، والعامّة لم تقصّر فى الطلب والحكرة (٢)، والبخلاء لم يحدّوا شيئا من جهدهم (٣)، ولا عفّوا بعد قدرتهم (٤)، ولا قصّروا فى شىء من الحرص والحصر (٥)، لأنهم فى دار قلعة (٦)، وتعرّض نقلة (٧)، حتى لو كانوا بالخلود موقنين لأغفلوا تلك الفضول، فالبخيل مجتهد، والعامّىّ غير مقصر، فمن لم يستعن على ما وصفنا (٨) بطبيعة قوية، وبشهوة شديدة، وبنظر شاف، كان إما عامّيّا، وإما بخيلا شقيّا، ففيم اعتلالهم بأولادهم، واحتجاجهم بخوف التلوّن من أزمنتهم؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لوافد كذب عنده كذبة- وكان جوادا-: «لولا خصلة (٩) ومقك الله عليها، لشرّدت بك من وافد قوم» وقيل للنبى صلى الله عليه وسلم: هل لك فى بيض النساء وأدم الإبل (١٠)؟ قال:

ومن هم؟ قال: بنو مدلج، قال: «يمنعنى من ذاك قراهم الضيف، وصلتهم الرّحم» وقال لهم أيضا: «إذا نحروا ثجّوا (١١)

، وإذا لبّوا عجّوا (١٢)» وقال للأنصار: من


(١) متعلق الجار والمجرور مفعول ثان لنجد.
(٢) اسم من الاحتكار.
(٣) فى النسخ «لم يجدوا» والصواب «لم يحدوا» أى لم يحبسوا جهودهم فى جمع الأموال.
(٤) فى النسخ «ولا عفوا» بالنصب، والصواب «ولا عفوا» أى عن الكد، والكدح بعد قدرتهم على العيش بما تجمع لديهم من مال.
(٥) الحصر: البخل.
(٦) يقال: الدنيا دار قلعة، أى انقلاع وارتحال.
(٧) أى إن الدنيا دار يتعرض فيها المرء للانتقال.
(٨) وهو تمكن البخل والجشع فى النفوس.
(٩) ومققه: أحبه.
(١٠) الأدم جمع آدم وأدماء، والأدمة فى الإبل بالضم: لون مشرب سوادا أو بياضا أو هو البياض الواضح. والتقدير: هل لك فى قوم بيض النساء ...
(١١) ثجوا: أسالوا دماء الذبائح فى الحج.
(١٢) التلبية فى الحج: قول لبيك اللهم لبيك، وعج يعج بالكسر والفتح: صاح ورفع صوته.
(٦ - جمهرة رسائل العرب- رابع)

<<  <  ج: ص:  >  >>