للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ميسّر لكل ريح، فدع عنك خلطة الإمّعة (١) فإنه حارص (٢) لا خير فيه، واجتنب ركوب الجموح ذى النّزوات؛ فإن غايته القتل الزّؤاف (٣)، ولا (٤) فى الحرون ذى التصميم، والمتلون شر من المصمّم، إذ كنت لا تعرف له حالا يقصد إليها، ولا جهة يعمل عليها، ولذلك صار العاقل يخدع العاقل ولا يخدع الأحمق؛ لأن أبواب تدبير العاقل وحيله معروفة، وطرق خواطره مسلوكة، ومذاهبه محصورة معدودة، وليس لتدبير الأحمق وحيله جهة واحدة من أخطأها كذب (٥)، والخبر الصادق عن الشىء الواحد واحد، والخبر الكاذب عن الشىء الواحد لا يحصى له عدد، ولا يوقف منه على حدّ، والمصمّم قتله بالإجهاز (٦)، والمتلوّن قتله بالتعذيب (٧)، فإن قلنا فليس إليه (٨) نقصد، وإن احتججنا فلسنا عليه نردّ، ولكنا إليك نقصد بالقول، وإليك نريد بالمشورة، وقد قالوا: «احفظ سرّك فإن سرّك من دمك» وسواء ذهاب نفسك وذهاب ما به يكون قوام نفسك (٩)، قال المنجاب العنبرىّ:

«ليس بكبير ما أصلحه المال (١٠)» وفقد الشىء الذى به تصلح الأمور، أعظم من الأمور (١١)، ولهذا قالوا فى الإبل: «لو لم يكن فيها إلا أنها رقوء (١٢) الدم» فالشىء


(١) الإمع والإمعة: الرجل يتابع كل إنسان على رأيه لا يثبت على شىء.
(٢) الحارص: الملتهم لا يكاد يترك شيئا.
(٣) عبارة النسخ «واجتنب ركوب الجموح فإن غايته قبل الذواق ذى البدوات» وهى غير مفهومة. والقتل الزؤاف: السريع.
(٤) عطف على المجرور فى لا خير فيه، أى ولا خير فى الحرون، والحرون، الدابة تعصى صاحبها فتقف ولا تمشى.
(٥) أى ليس للأحمق اتجاه واحد فى تدبيره، حتى إذا لم يهتد إليه إنسان قيل إنه أخطأ.
(٦) المراد أن الضرر الذى يصل من المصمم يصل دفعة واحدة. فهو كالقتل بالإجهاز.
(٧) أى أن المتلون يأتيك منه الضرر فى نوبات متقطعة، فكأنه يقتل بالتعذيب.
(٨) الضمير فى إليه يعود إلى المتلون.
(٩) أى مادام السر جزءا من الدم وهو قوام النفس، ففقده يساوى فقد النفس.
(١٠) أى كل ضرر يستطيع المال أن يصلحه ليس بكبير.
(١١) أى فقد المال الذى يصلح اختلال الأمور أعظم من فقد أى أمر.
(١٢) رقأ الدم: جف وسكن، والرقوء كصبور: ما يوضع على الدم ليرقئه: أى أنها تحقن الدماء لأنها تدفع فى الديات فيكف صاحب الثأر عن طلبه فيحقن دم القاتل، وجواب لو محذوف: أى لكفاها فضلا وهو من قول أكثم بن صيفى- انظر جمهرة خطب العرب ١: ٣٠٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>